والذي يمكن الاستدلال به على أنها قاطعة موضوعا اعتبارا وتنزيلا صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال (عليه السلام): " من قدم مكة قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، فإذا زار البيت أتم الصلاة وعليه إتمام الصلاة، إذا رجع إلى منى حتى ينفر " (1). فإن مقتضى تفريع التقصير على الخروج من مكة كونه سفرا جديدا لا متمم السفر الأول الممتد من منزله إلى مكة ومن مكة إلى عرفات وإلا لم يكن معنى التنزيل المقيم منزلة أهل مكة لعدم دخل للإقامة في وجوب التقصير عند خروج المقيم إلى عرفات ولم يكن تعريضا بمن لا يرى الخروج من مكة بنفسه سفرا موجبا للقصر مع كونه بريدين ذهابا وإيابا.
ومما ذكرنا يتضح فساد ما حكي عن الفاضل النراقي (2) (قدس سره) حيث أشكل على المرور بالوطن بأن العرف لا يفرق بين المرور بالوطن وعدمه سيما إذا كان مارا من حواليه، وأشكل على المرور بحمل الإقامة بأن العرف لا يفرق بين الإقامة عشرة أيام والإقامة تسعة أيام ونصف في كون السفر واحدا غير متعدد في الأولى كالثانية.
وجه وضوح الفساد أما في الأول: فهو أن السفر عن الوطن إذا كان ضد الحضور فيه فلا يعقل أن يكون مسافرا عرفا وبعيدا عن وطنه ومع ذلك يكون حاضرا فيه غير غائب ولا بعيد عنه. وأما في الثاني: فإنه لولا التنزيل لم يكن بينهما فرق في وحدة السفر عرفا وإن افترقا في الاتمام تارة وعدمه أخرى، إلا أن الفارق بينهما تنزيل المقيم منزلة المتوطن في كون سيره من محل إقامته سفرا جديدا كما عرفت استفادته من الصحيحة.
ثم إنه حيث إن المقام مقام بيان الشرائط الموجبة للقصر فالمراد أن يكون المكلف قاصدا لثمانية فراسخ في سفر واحد لا في سفرين فقاصد المرور إلى الوطن