ومنها: إن الاعتبار في صيرورة السفر شغلا له، هل على عملية السفر في تمام السنة أو في معظمها؟ أو يكفي عملية السفر في الصيف أو الشتاء مثلا؟ ولا ريب في أن صيرورة عمل حرفة له لا يتقوم إلا بتكرر العمل فيما يتعارف فيه ذلك الشغل، فإن التجارة في الأسواق، أو جباية الأموال، أو حفظ البيادر (1)، أو رعي المواشي ليست في تمام السنة، بل في أوقات مخصوصة، فلا اعتبار بتمام السنة أو معظمها.
ومنها: أن المقوم لكون العمل حرفة وشغلا هل هو تكرر العمل أو مزاولته (2) في معظم السنة ولو بامتداده وطوله كما كان من المتعارف من حمل الحجيج من إيران إلى العراق إلى مكة المكرمة بحيث كان شاغلا لمعظم السنة مع عدم تكرر العمل ولا ريب في أن السفر الذي لم يتعدد ولو بتعدد المقاصد، سفر واحد وإن طالت مدته، ولا يصدق على الباني عليه في سنة واحدة أنه اتخذ المكاراة لحمل الحجيج حرفة له، وإنما يصدق عليه بملاحظة تكرره في السنين فإن الأعمال تختلف من حيث التكرر فربما يتكرر في شهر وأخرى، في سنة وثالثة في السنين والحرفة متقومة بالتكرر لا باشتغال السنة ولو بسفر واحد من جميع الجهات، كما عرفت من عدم صدق اتخاذه حرفة إذا كان بناؤه على سفر واحد شاغل للسنة.
ومنها: بعد ما عرفت من لزوم التكرر في اتخاذ الشئ حرفة فهل التكرر بتعدد السفر حقيقة أو يكفي فيه تعدد المقاصد؟ لا ريب في أن التعدد الحقيقي لا يكون إلا بالرجوع إلى موطنه ومنزله أو بالإقامة عشرة أيام، ولا ريب في أن إقامة العشرة ترفع حكم الكثرة فكيف يعقل أن ينوط بها الكثرة، كما لا ريب في أن الرجوع إلى المنزل غير لازم كما في الجابي الذي يدور في جبايته، والأمير الذي يدور في إمارته، والتاجر الذي يدور في تجارته فإنهم يتمون وإن لم يرجعوا بعد كل جباية أو إمارة أو تجارة إلى منازلهم. وعليه فالمكاري الذي يكري دوابه إلى كربلاء مثلا إذا كرى