الجزم بعدم اعتبار النية في الثانية، ولا يمكن الاستناد إلى عموم التنزيل لنفي اعتبار النية نظرا إلى أن إقامة أهل البلد لا تتوقف على النية في نفي حكم كثرة السفر، وذلك لأن صيرورته منزلة أهل البلد متوقفة على نية الإقامة فيلزم من ترتيب هذا الأثر وهي كفاية الإقامة بلا نية ما يشبه استلزام وجود الشئ لعدمه وهو محال، فترتيب هذا الأثر عليه محال، ولا يعقل مع كون الموضوع ناوي الإقامة إطلاق الإقامة من حيث وجود النية وعدمها، فلا يعقل اقتضاء التنزيل لكفاية الإقامة المجردة ثبوتا وإثباتا.
وعن غير واحد منهم شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره) الاستناد في اعتبار النية إلى دعوى الملازمة بين انقطاع كثرة السفر وانقطاع السفر قائلا: " إن الإقامة مع عدم النية سفر شرعا وليس إلا كمكث المسافر في أثناء سفره ولا ينقطع به نفس السفر ولا كثرته " (1)، بل عن بعض أجلة العصر (رحمه الله) " إنه لا يمكن أن تكون الإقامة الغير المخرجة عن كونه مسافرا مانعة عن تحقق الكثرة ".
والانصاف إن كله جزاف، فإن المكاري إذا أعرض عن عمله في أثناء سفره ينقطع عنه كثرة السفر، وعملية السفر، ولا ينقطع سفره، وكذا العكس، فإن الداخل إلى بلده ينقطع سفره ولا ينقطع الكثرة. هذا في دعوى الملازمة بين الانقطاعين كلية. وأما الملازمة بين الانقطاعين بخصوص الإقامة، فالاقامة في البلد بنفسها قاطعة للكثرة دون أصل السفر، فإنه بحضوره ينقطع سفره لا بالإقامة.
ودعوى الملازمة بين انقطاع كثرة السفر بالإقامة مع أصل انقطاع السفر، بتقريب أن المراد من الرواية أنه إن كان مقامه في منزله أو فيما هو بحكم منزله، مدفوعة بأن الظاهر من الرواية، الإقامة في غير بلده من دون تقييده بكونه بحكم منزله، فدعوى الملازمة بلا بينة، ومنه يعرف أن التشكيك في إطلاق المرسلة ودعوى انصرافه إلى الإقامة عن نية لشبهة الاستلزام غير وجيه.
نعم حيث إن المشهور على اعتبار النية في الإقامة في غير البلد ومستند أصل