من القيميات فهذا التالف له شؤون ثلاثة، حيثية شخصيتها، وحيثية كونها ذات حصة من طبيعة نوعية، وحيثية المالية، وكل طبيعة نوعية كما أنه لها جهة وجدان ماهوي هي مبدأ جنسها الطبيعي ومبدأ فصلها الطبيعي كذلك لها جهة فقدان لما فوقها، بها تكون هذه الماهية نوعا، والماهية الأخرى نوعا آخر، فماهية الشجر مثلا المتقومة بالجسمية والقوة النباتية فاقدة لمرتبة الحيوانية، فهي بشرط لا من حيث الحيوان، ولذا لا يصدق عليها الحيوان كما لا يصدق الشجر على الحيوان.
وعلى هذا فإذا فرض تلف فرد من نوع خاص، وشخصية التالف غير قابلة للتدارك عقلا، ونوعيته لعدم المثل غير قابلة للتدارك، فلم يبق إلا مالية ماهية هي بشرط لا بالإضافة إلى سائر الماهيات، فلا محالة تكون المالية المشتغلة بها الذمة مالية هي بشرط لا عن سائر الماليات، فتدبره فإنه حقيق به.
هذا في سائر الغرامات، وأما الغرامة الأرشية فقد عرفت مرارا أنها لا تشتغل بها الذمة ليجب أن يكون لها تعين مخصوص، فإن حقيقتها حق التغريم لا استحقاق المال، وحيث أن الاستحقاق متعلق بالفعل لا بالمال فلا معنى لتعينه الذمي، كما أنه حيث لا تعين له في الذمة فلا بأس بجعل حق التغريم بما هو بشرط لا، وهو النقد عند المخاصمة في الخصوصيات، وبما هو بشرط شئ عند التراضي على خصوص شئ.
ثانيهما: أنه لا ريب في صحة التراضي على غير النقدين في باب الغرامات جميعا، ففي غير الغرامة الأرشية حيث إن الذمة مشغولة بخصوص مال لا يطابقه إلا النقد فلا محالة يكون ما تراضيا عليه بدلا عن النقد، وفي الغرامة الأرشية حيث إنه لا مال في الخارج ولا في الذمة فلا معنى للبدلية ولا للمعاوضة، بل هو أداء عين ما يستحق التغريم به عند التراضي، كما أنه إذا أدى النقد كان هو عين ما يستحقه أرشا عند امتناع كل منهما عن الخصوصية، ومما ذكرنا اتضح صحة ما أفاده المصنف (قدس سره)، ولا يرد عليه شئ من الاعتراضات الناشئة عن عدم الوصول إلى حقيقة مرامه (زيد في علو مقامه).