الثامن: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه، ثم آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن، ففعلت، ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين (عليهم السلام) فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي.. " (1).
أقول: وهذا الاستنصار كان قبل الهجوم الأخير، بدليل قوله (عليه السلام): " فوالله لو أن أولئك الأربعين الذين بايعوني وفوا لي وأصبحوا على بابي محلقين قبل أن تجب لعتيق في عنقي بيعة لناهضته وحاكمته إلى الله عز وجل... فأما بعد بيعتي إياهم فليس إلى مجاهدتهم سبيل.. " (2).
وهذا صريح في أنه وإن بايع كرها ولكنه لا يريد نكث هذه البيعة، كما صرح بذلك في كلام له قبل ذلك بقوله: " ومثلي لا ينكث بيعته " (3).
فلا بد وأن تكون دعوته إلى نصرته قبل هذه البيعة.. أي قبل الهجوم أخيرا، وهذا لا يمكن إلا أن يكون بين جمع القرآن وبين الهجوم الأخير فصلا، كما هو الظاهر من كلام المسعودي وصريح رواية سليم الهلالي عن سلمان.
قال المسعودي:.. بعد فراغه من غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... ودفنه...
اعتزلهم ودخل بيته... ثم ألف القرآن وخرج إلى الناس... فقال لهم: " هذا كتاب الله قد ألفته كما أمرني وأوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أنزل ". فقال له بعضهم:
اتركه وامض... فقالوا: لا حاجة لنا فيه ولا فيك، فانصرف به معك لا تفارقه.
فانصرف عنهم.