هذا، ثم إنه مثل المحقق القمي () رحمه الله للصورة الثالثة بلفظ ليلة القدر، كما أشرنا إليه آنفا.
لكن الظاهر أن التمثيل في غير محله، إذ الكلام فيما إذا كان اللفظ موضوعا لمعنى لغة، إذا كان المراد إثبات وضعه لما استعمل فيه لغة أو شرعا، إذا كان المراد إثبات وضعه له شرعا، ولا ريب أن ليلة القدر ليس لها وضع لا لغة، ولا شرعا، ودعوى ثبوت الحقيقة الشرعية فيما دونها خرط القتاد، بل هذه باقية على وضعها الإفرادي اللغوي، ولما أضاف سبحانه وتعالى الليلة ليراد به العهد فعلم أن المراد ليلة خاصة معهودة بينه وبين حججه عليهم السلام، لكنها مرددة بين ليال، هذا.
تنبيه: اعلم أن منع كون الاستعمال الابتدائي دليلا على الوضع، فيما إذا لم يحصل منه القطع، وأما إذا حصل منه ذلك، كما هو الغالب فيه وفي سائر الطرق إلى الوضع فلا يمكن منع حجية القطع. ووجه إفادته القطع غالبا أن الغالب أن تفهيم الأوضاع إنما هو بالترديد والقرائن أعني باستعمال اللفظ في الموضوع له، وتفهيم المخاطب بالقرائن، وأما تفهيمه بالتنصيص فهو قليل جدا فتلك الغلبة بحيث توجب القطع بالوضع غالبا، ولو فرض عدم إفادتها له في بعض الموارد فنلتزم بعدم الحجية كما مر.
ويرشد إلى ما ذكرنا استدراك الشيخ قدس سره بقوله: نعم لو انحصر طريق تفهيم الأوضاع في الاستعمال فيكون دليلا عليه.
ثم إن الثمرة بين القول بكون الاستعمال الابتدائي دليلا على الوضع إذا لم يفد العلم، وبين القول بعدمه - كما هو المختار - تظهر بالنسبة إلى الاستعمالات المتأخرة عن هذا الاستعمال، فعلى القول الأول: فهي مع تجردها عن القرينة محمولة على ما استعمل فيه اللفظ في هذا الاستعمال، وعلى الثاني: يتوقف، ويرجع إلى الأصول العملية حسبما يقتضيه المقام.
هذا كله إذا اتحد المستعمل فيه.
وأما إذا تعدد، فيقع الكلام في جهتين:
الأولى: في بيان حال المعنيين المستعمل فيهما اللفظ بالنسبة إلى غيرهما، من أن اللفظ حقيقة في المعنيين في الجملة؟ أو أن الموضوع له أمر ثالث لم يستعمل فيه اللفظ