المتعززون، وتضاءل له المتكبرون، ودان طوعا وكرها له العالمون، نحمده بما حمد [به] نفسه، وكما هو أهله، ونستعينه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم ما تخفي الصدور [النفوس] وما تجن البحار، وما توارى الأسراب [الأسرار] وما تغيض الأرحام، وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار، لا توارى منه ظلمة، ولا تغيب عنه غائبة، وما تسقط من ورقه إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، ويعلم ما يعمل العاملون، وإلى أي منقلب ينقلبون، ونستهدي الله بالهدى، ونعوذ به من الضلال والردى، ونشهد أن محمد عبده ونبيه ورسوله إلى الناس كافة، وأمينه على وحيه، وأنه بلغ رسالة ربه، وجاهد في الله المدبرين عنه، وعبده حتى أتاه اليقين (صلى الله عليه وآله)، أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي لا تبرح منه نعمة، ولا تفقد له رحمة، ولا يستغني عنه العباد، ولا تجزى أنعمه الأعمال الذي رغب في الآخرة، وزهد في الدنيا، وحذر المعاصي، وتعزز بالبقاء وتفرد بالعز والبهاء، وجعل الموت غاية المخلوقين، وسبيل الماضين، فهو معقود بنواصي الخلق كلهم، حتم في رقابهم، لا يعجزه لحوق الهارب، ولا يفوته ناء ولا آئب، يهدم كل لذة، ويزيل كل بهجة، ويقشع كل نعمة، عباد الله ان الدنيا دار رضى الله لأهلها الفناء. وقدر عليهم بها الجلاء، فكل ما فيها نافد، وكل من يسلكها [يسكنها] بائد، وهي مع ذلك حلوة، خضرة، رائقة، ونضرة، قد زينت للطالب، ولاطت بقلب الراغب، يطيبها الطامع، ويجتويها الوجل الخائف، فارتحلوا - رحمكم الله - منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد، ولا تطلبوا منها سوى البلغة، وكونوا فيها كسفر نزلوا منزلا فتمتعوا منه بأدنى ظل، ثم ارتحلوا لشأنهم، ولا تمدوا أعينكم فيها إلى ما متع به المترفون، واضروا فيها بأنفسكم،
(٣٦١)