تراب؟ - قال: فقال كل رجل منهم ما أراد؛ ومعاوية ساكت وعنده عمرو بن العاص ومروان بن الحكم فتذاكرا عليا (عليه السلام) بغير الحق.
فوثب رجل من آخر المجلس من أهل الكوفة، وكان قد دخل مع القوم، فقال:
يا معاوية تسأل أقواما في طغيانهم يعمهون، اختاروا الدنيا على الآخرة، والله لو سألتهم عن السنة ما أقاموها، فكيف يعرفون عليا وفضله؟ أقبل علي أخبرك، ثم لا تقدر أن تنكر أنت ولا من عن يمينك، - يعني عمرا -: هو والله الرفيع نجاره، الطويل عماده، دمر الله به الفساد وأبار به الشرك، ووضع به الشيطان وأولياءه، وضعضع به الجور، وأظهر به العدل، وأنطق زعيم الدين، وأطاب المورد، وأضحى الداجي، وانتصر به المظلوم، وهدم به بنيان النفاق، وانتقم به من الظالمين، وأعز به المسلمين، العلم المرفوع، والكهف للعواذ، ربيع الروح، وكنف المستطيل، ولي الهارب، كريح رحمة أثارت سحابا متفرقا بعضها إلى بعض، حتى التحم واستحكم فاستغلظ، فاستوى ثم تجاوبت نواتقه، وتلألأت بوارقه، واسترعد خرير ماءه، فأسقى وأروى عطشانه، وتداعت جنانه، واستقلت به أركانه، واستكثرت وابله، ودام رذاذه، وتتابع مهطوله، فرويت البلاد واخضرت وأزهرت، ذلك علي بن أبي طالب، سيد العرب، إمام الأمة وأفضلها، وأعلمها، وأجملها، وأحكمها، أوضح للناس سيرة الهدى بعد السعي في الردى، فهو والله إذا اشتبهت الأمور، وهاب الجسور، واحمرت الحدق، وانبعث القلق، وأبرقت البواتر، استربط عند ذلك جأشه، وعرف بأسه، ولاذ به الجبان الهلوع؛ فنفس كربته وحمى حمايته، عند الخيول النكراء والداهية الدهياء مستغن برأيه عن مشورة ذوي الألباب برأي صليب، وحلم أريب، مجيب للصواب مصيب، فأمسكت القوم جميعا. وأمر معاوية بإخراجه؛ فأخرج وهو يقول: (وقل جاء الحق