غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي [فيك] فيها، فعمرك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، وعظيم المورد. فوكفت دموع معاوية على لحيته، فنشفها بكمه، واختنق القوم بالبكاء، ثم قال: كان والله أبو الحسن كذلك، فكيف كان حبك إياه؟ قال: كحب أم موسى لموسى، واعتذر إلى الله من التقصير، قال: فكيف صبرك عنه يا ضرار؟ قال:
صبر من ذبح ولدها على صدرها فهي لا ترقى عبرتها، ولا تسكن حرارتها. ثم قام وخرج وهو باك. فقال معاوية: أما انكم لو فقدتموني لما كان فيكم من يثني علي مثل هذا الثناء. فقال له بعض من كان حاضرا: الصاحب على قدر صاحبه (1).
[309] - 23 - الأربلي: حدث الزبير، عن رجاله، قال:
دخل محفن بن أبي محفن الضبي على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين جئتك من عند ألأم العرب، وأبخل العرب، وأعيا العرب، وأجبن العرب، قال: ومن هو يا أخا بني تميم؟ قال: علي بن أبي طالب، قال معاوية: اسمعوا يا أهل الشام ما يقول أخوكم العراقي، فابتدروه أيهم ينزله عليه ويكرمه، فلما تصدع الناس عنه قال له:
كيف قلت؟ فأعاد عليه، فقال له: ويحك يا جاهل، كيف يكون ألأم العرب وأبوه أبو طالب وجده عبد المطلب وامرأته فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وأنى يكون أبخل العرب؟ فوالله لو كان له بيتان، بيت تبن، وبيت تبر (2) لأنفذ تبره قبل تبنه؟ وأنى يكون أجبن العرب؟ فوالله ما التقت فئتان قط إلا كان فارسهم غير مدافع؛ وأنى يكون أعيا العرب؟ فوالله ما سن البلاغة لقريش غيره، ولما قامت أم محفن عنه