ولا يمكن تفسير ذلك إلا أنهم أرادوا أن يصر النبي صلى الله عليه وآله على كتابة الكتاب وتسمية الأئمة من بعده، فيصرون هم على أنه وحاشاه أخذ يهجر ويهذي، ويريد فرض عترته على قريش والعرب، ويعلنون الردة!!
وقد مهدوا لذلك بقولهم إنه يهجر! وخففها البخاري فقال: 4 / 66: (ماله أهجر، استفهموه)! ولعل بعضهم قال إنه يهجر، وقال بعضهم: استفهموه لتروا صحة كلامنا! فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن لا يضغط على قريش فتكفر، وكان جبرئيل حاضرا عنده، فأمره أن ينهي المجلس ويطردهم! فإنما عليه البلاغ عن ربه، وقد بلغ وأتم عليهم الحجة!!
إنها قضية واضحة كوضوح الشمس فقد اضطر النبي صلى الله عليه وآله أن يصرف النظر عن كتابة العهد ويتنازل عن تأمين مستقبل أمته، لأن ذلك أفضل مما يدعونه اليه!
فكانت المعادلة عنده أن قبولهم بنبوته وقرآنه دون سنته وعترته! خير من أن تعصف عاصفتهم بالإسلام من أصله، فتعلن قريش ردتها وتطيعها بعض قبائل العرب، وتشن الحرب على آل النبي صلى الله عليه وآله ومن يبقى على الإسلام من الأنصار، وتقضي عليهم!
أما الحزب القرشي، فلم يهتم لطرد النبي صلى الله عليه وآله لهم من بيته! بل كانوا فرحين بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يتخذ إجراء عمليا ضدهم، وبأنهم حققوا نتيجة هائلة من ذلك المجلس حيث تراجع النبي صلى الله عليه وآله أمامهم فانتزعوا منه قيادة الأمة ووضعوها في يد زعيمهم الجديد عمر! وأن عمر سيضعها في مسار قبلي يخضع لقانون الغلبة، بدل المسار الرباني وقانون النص!
وقد أثمر قانون الغلبة آنيا، أن حكم أبو بكر سنتين وشهرين، ثم نص على عمر فحكم عشر سنين، ونص عمر على عثمان فحكم اثنتي عشرة سنة!
وعندما تفاقم ظلم عثمان اضطر نفس الصحابة أن يثوروا عليه ويقتلوه،