والضرب الآخر فهو كل أسير يؤخذ بعد أن تضع الحرب أوزارها فإنه يكون مخيرا فيه بين أن يمن عليه فيطلقه، وبين أن يسترقه وبين أن يفاديه، وليس له قتله على ما رواه أصحابنا، ومن أخذ أسيرا فعجز عن المشي ولم يكن معه ما يحمله عليه إلى الإمام فيطلقه لأنه لا يدري ما حكم الإمام، ومن كان في يده أسير وجب عليه أن يطعمه ويسقيه وإن أريد قتله في الحال.
ولا يجوز قتال أحد من الكفار الذين لم تبلغهم الدعوة إلا بعد دعائهم إلى الاسلام وإظهار الشهادتين والإقرار بالتوحيد والعدل، والتزام جميع شرايع الاسلام فمتى دعوا إلى ذلك ولم يجيبوا حل قتالهم إلا أن يقبلوا الجزية وكانوا من أهلها، ومتى لم يدعوا لم يجز قتالهم، وينبغي أن يكون الداعي الإمام أو من يأمره الإمام بذلك فإن بدر انسان فقتل منهم قبل الدعاء فلا قود عليه ولا دية لأنه لا دليل عليه، وإن كان الكفار قد بلغتهم دعوة النبي (صلى الله عليه وآله) وعلموا أنه يدعو إلى الإيمان والإقرار به وإن لم يقبل قاتله ومن قبل منه آمنه فهؤلاء حرب للمسلمين وذلك مثل الروم والترك والزنج والخور و غيرهم فللإمام أن يبعث الجند إلى هؤلاء من غير أن يراسلهم ويدعوهم لأن ما بلغهم قد أجزء وله أن يسبيهم ويقتلهم غارين كما أغار النبي (صلى الله عليه وآله) على بني المصطلق وقتلهم غارين وقوله عز وجل ﴿ليظهره على الدين كله﴾ (1) أراد بالحج والأدلة.
وقيل: أراد ذلك عند قيام المهدي.
(عليه السلام) وقيل: إنه أراد على أديان العرب كلها وقد كان ذلك.
ولا يجوز قتل النساء فإن عاون أزواجهن ورجالهن أمسك عنهن وإن اضطر إلى قتلهن لم يكن بقتلهن بأس، ومن تقبل منه الجزية إنما تقبل منه إذا التزم شرايط الذمة وهي الامتناع عن مجاهرة المسلمين بأكل لحم الخنزير وشرب الخمر وأكل الربا والنكاح المحرمات في شرع الاسلام فمتى لم يقبلوا ذلك أو شيئا منه لا تقبل منهم الجزية وإن قبلوا ذلك ثم فعلوا شيئا من ذلك فقد خرجوا من الذمة وجرى عليهم أحكام الكفار