يكون وثيقة مدة ليعلم بذلك من يأتي بعده ويقوم مقامه.
وأما نصارى تغلب وهم تنوخ ونهد وتغلب وهم من العرب انتقلوا إلى دين النصارى وأمرهم مشكل، والظاهر يقتضي أنه تجري عليهم أحكام أهل الكتاب لأنهم نصارى غير أن مناكحتهم وذبايحهم لا تحل بلا خلاف، وينبغي أن تؤخذ منهم الجزية، ولا تؤخذ منهم الزكاة لأن الزكاة لا تؤخذ إلا من مسلم، ومصرف الجزية مصرف الغنيمة سواء للمجاهدين، وكذلك ما يؤخذ منهم على وجه المعاوضة لدخول بلاد الاسلام، لأنه مأخوذ من أهل الشرك.
فصل في ذكر المهادنة وأحكامها الهدنة والمعاهدة واحدة، وهو وضع القتال وترك الحرب إلى مدة من غير عوض، وذلك جايز لقوله تعالى ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ (١) ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) صالح قريشا عام الحديبية على ترك القتال عشر سنين. فإذا ثبت جوازه فالكلام في فصلين:
أحدهما: في بيان الموضع الذي يجوز ذلك فيه، والذي لا يجوز.
والثاني: بيان المدة، وليس يخلو الإمام من أن يكون مستظهرا أو غير مستظهر فإن كان مستظهرا وكان في الهدنة مصلحة للمسلمين ونظر لهم بأن يرجو منهم الدخول في الاسلام أو بذل الجزية فعل ذلك، وإن لم يكن فيه نظر للمسلمين بل كانت المصلحة في تركه بأن يكون العدو قليلا ضعيفا وإذا ترك قتالهم اشتدت شوكتهم وقروا (٢) فلا تجوز الهدنة لأن فيها ضررا على المسلمين.
فإذا هادنهم في الموضع الذي يجوز فيجوز أن يهادنهم أربعة أشهر بنص القرآن العزيز وهو قوله تعالى ﴿فسيحوا في الأرض أربعة أشهر﴾ (3) ولا يجوز إلى سنة وزيادة