وإذا كان في المسلمين قلة وضعف وفي المشركين كثرة وقوة فالأولى أن يؤخر الجهاد ويتأنى حتى يحصل للمسلمين قوة فإذا اشتدت شوكة المسلمين وعلم شوكتهم [وقوتهم] لا يجوز أن يؤخر القتال، وأقل ما عليه أن يغزوا في كل عام غزوة، وكلما أكثروا الجهاد كان أكثر فضل لأنه من فرايض الكفايات فكلما كان أكثر كان أفضل، وكان في بدو الاسلام أن يصاف واحد لعشرة، ثم نسخ بوقوف الواحد لاثنين بدليل الآية، وليس المراد بذلك أن يقف الواحد بإزاء العشرة أو اثنين وإنما يراد الجملة، وإن جيش المسلمين إذا كان نصف جيش المشركين بلا زيادة وجب الثبات، وإن كان أكثر من ذلك لم يلزم، و جاز الانصراف، ومعنى لزوم الثبات أنه لا يجوز الانصراف إلا في موضعين: أحدهما:
أن ينحرف لقتال وتدبير بأن ينحرف عن مضيق إلى اتساع لتجول الخيل أو من معاطش إلى مياه أو كانت الشمس أو الريح في وجوههم فاستدبروها، وما أشبه ذلك، والثاني: أن يتحيزوا إلى فئة وجماع لقوله تعالى ﴿إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة﴾ (1) ولا فرق بين أن تكون الفئة قريبة أو بعيدة قليلة أو كثيرة لعموم الآية فإن انصرف على غير هذين الوجهين كان فارا وفسق بذلك وارتكب كبيرة وباء بغضب من الله، وإذا غلب على ظنه أنه إذا ثبت قتل وهلك فالأولى أن نقول: ليس له ذلك لقوله تعالى " إذا لقيتم فئة فاثبتوا " (2) وقيل: إنه يجوز له الانصراف لقوله تعالى " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " (3) وأما إذا كان المشركون أكثر من ضعف المسلمين فلا يلزم الثبات وهل يستحب ذلك أم لا؟ فإن غلب على ظنه أنه لا يغلب فالمستحب أن يثبت ولا ينصرف لئلا يكسر المسلمين، وإن غلب على ظنه أنه يغلب ويهلك فالأولى له الانصراف.
وقيل: إنه يجب عليه الانصراف، وكذلك القول فيمن قصده رجل فغلب على ظنه أنه إن ثبت له قتله فعليه الهرب.