الحقوق رجحان النكاح الذي هو واسطة في حصوله، بل هو مما يؤكد الرجحان ويحققه، وإن حصل الاشتغال بتلك الحقوق عن بعض المطالب الدينية، لأن تمانع الطاعات وتضادها لا يخرجها عن كونها طاعات مأمورا بها، وإلا لزم خروج أكثر العبادات الوجودية بل جميعها عن كونها عبادة، فإن الأفعال لا تجتمع غالبا كالتروك ولا يقدح في ذلك كون الأمور المشتغل عنها بتحمل الحقوق كثيرة، ولا كونها أفضل من التحمل المذكور، إذا الكلام هاهنا في رجحان النكاح وفضيلته، لا في كونه أفضل من غيره، وما ذكر على تقدير تسليمه إنما ينافي الثاني دون الأول هذا إذا كان تحمل الحقوق والاشتغال عن المطالب الدينية المذكوران في الاستدلال وجها واحدا لاستحباب ترك النكاح، بأن يكون المنع من تحمل الحقوق لاقتضائه الاشتغال المذكور.
أما إذا اعتبر تحمل الحقوق وجها مستقلا للمنع من النكاح لما فيه من التعريض للعصيان والمخالفة وجعل الاشتغال عن المطالب الدينية وجها آخر لمرجوحية النكاح فتقر ير الجواب أن تحمل الحقوق يزيد في الأجر، فلا ضير في اختياره طلبا للثواب، ورغبة في الطاعة، وتعريضه للمعصية الاختيارية لا يمنع عن اختياره، كما في سائر التكاليف، وأن النكاح من الطاعات والأمور الدينية عند القائل باستحبابه، فلا يقتضي الاشتغال به عن بعض المطالب الدينية استحباب تركه وكونه مرجوحا، لما عرفت من تمانع الطاعات وتضادها غالبا، نعم لو لم يكن النكاح مطلوبا ولا مأمورا به أمكن القول بمرجوحيته من ذلك الوجه وإن لم يكن في نفسه كذلك لثبوت الحسن والقبح بالوجوه والاعتبارات الخارجة عن ذات الشئ وصفاته اللازمة كما حقق في محله.
وبذلك كله ظهر لك قوة القول بالاستحباب مطلقا خلافا لمن عرفت، وللمحكي عن ابن حمزة من أن من تاقت نفسه وكان قادرا عليه يستحب له النكاح، ومن لم تتق نفسه ولم يكن قادرا عليه يكره له ذلك، ومن كان قادرا ولم يتق أو تائقا ولم يقدر لم يكره له ولم يستحب، بل كان النكاح له مباحا، وذلك لأن واجد الوصفين أي الشهوة والقدرة جامع بين أمرين يقتضي كل منهما حسن النكاح، فيكون مستحبا له