القربة وقصد الامتثال إذا كان عبادة، وإما أن يكون تعلق الأمر به لمصلحة حاصلة بنفس الماهية والطبيعة من غير توقف على قصد الامتثال وإرادة الطاعة، كالأمر بإزالة الأخباث عن الثوب والبدن، فإن المطلوب منه طهارتهما حال الصلاة وغيرها مما يشترط فيه الطهارة، ولا ريب في حصول هذا الغرض، لتحقق الإزالة المعتبرة وإن لم يقصد بها التقرب وإطاعة الأمر، بل لو كان غافلا عن النجاسة غير شاعر بها واتفق له إزالتها فإنه يمتثل بذلك، ويخرج عن عهدة التكليف، وكالأمر بانقاذ الغريق، والاطعام في المخمصة وفي عام الجدب، فإن الغرض منه ابقاء النفس المحترمة، وإنقاذها من الهلكة، ولا فرق في ذلك بين تحققه بقصد القربة والاتيان به لرجاء النفع، أو لمجرد الرأفة، أو لغير ذلك من الأغراض، فإن الخروج عن العهدة حاصل على جميع تلك الوجوه، ومن هذا القبيل أكثر التروك المطلوبة، فإن المقصود منها عدم صدور الأفعال القبيحة من المكلف، وإن لم يكن الترك بقصد الامتثال والكف عن الفعل القبيح، فإن من ترك الزنا يندفع عنه إثمه وإن كان امتناعه عنه للعجز أو الخوف أو الحياء أو للمحافظة على الحشمة والخوف من الفضيحة، فإن ذلك كله من أسباب العصمة ورفع الإثم والعقوبة.
وبالجملة فامتثال الأمر في غير العبادات لا يتوقف على قصد الطاعة وإرادة الموافقة للأمر، بل إنما يتوقف على موافقة الغرض وترتب المصالح المقضية للأمر وإن لم يكن شاعرا به، أو كان ولكن فعله لما فيه من الحظوظ النفسانية، نعم صيرورة تلك الأمور عبادة وترتب الأجر والثواب عليها موقوف على حصول القربة وقصد الامتثال، وهي من هذا الوجه داخلة في القسم الأول، فإن ترتب الأجر والثواب عليها ليس لامتثال الأمر الأصلي فيها، لما عرفت من أنه لا يوجب ذلك، بل لامتثال الأمر الثانوي، أي الأمر بجعلها عبادة وفعلها من حيث إنها مرادة للشارع.
وقد ظهر مما ذكرناه أن استحباب النكاح على القول به غير مختص بالواقع على وجه الامتثال وقصد الطاعة، فإن ذلك إنما يتجه لو كان النكاح من العبادات