بمجرد قوله تبت من دون معرفة الندم الباطني منه، بل ربما قيل بتعذر العزم على عدم المعاودة المتوقفة عليه التوبة أو تعسره وإن كان فيه منع واضح، ضرورة نهي الله عن جميع المعاصي.
بل قد يقال: إنا نمنع قلة وجود العدل بالمعنى المذكور، فإن الظن الغالب من جهة مراعاة أحوال الناس في أنه لا يسلم أحد منهم من وقوع الصغيرة ظن إجمالي، وإلا فليس في غالب أحوالنا في جميع الأوقات نعلم أن الشخص الذي ظاهره الستر والعفاف واجتناب الكبائر وقعت منه صغيرة لا نعلم منه أنه تاب عنها أو لا، كلا إن ذلك ممنوع، بل قد يحصل الظن بعدمه في كثير من الناس.
على أنه يمكن أن يقال كون الذنوب كلها كبائر لا يقضي بأنها كلها قادحة في العدالة، إذ لا دليل على ذلك، بل القادح فيها الأكبر من المعاصي، وأما غير الأكبر فلا يقدح إلا مع الاصرار، لأن العدالة المستفادة من الأخبار هي كون الرجل معروفا بالستر والعفاف مجتنبا للمعاصي العظيمة حسن الظاهر إذا سئل عنه في محلته قيل لا نعلم منه إلا خيرا، وهذا لا يقدح فيه وقوع بعض الذنوب التي ليست بتلك المكانة إلا مع الاصرار عليها، ويرشد إلى هذا أن أهل القول الأول ما دعاهم إلى كون العدالة اجتناب الكبائر مع عدم الاصرار على الصغائر أنه عندهم المعاصي تنقسم إلى قسمين إذ من الواضح أن هذا لا يلزم منه ذلك ولا وقوعها مكفرة، فإنه لا تلازم بين كونها مكفرة وعدم قدحها في العدالة، فإنه قد يكون استحقاق العقاب قادحا في العدالة، بل الذي دعاهم إلى ذلك هو ظواهر الأخبار الدالة على أن العدالة لا يقدح فيها مثل ذلك وهو بعينه الداعي لأولئك إن كانت المعاصي عندهم كلها كبائر.
نعم كلام ابن إدريس ينافي ذلك، لظهوره في أن فاعل الصغيرة لا يحكم بعدالته حتى يتوب، لكنه ليس هو حجة على غيره، مع احتمال أنه ذكره في الرد على الشيخ