الإنسان عن غيره، بل التراب لم يكن إنسانا في حال من الأحوال؛ حتى في حال تولد الإنسان منه، فضلا عن حال عدم التولد؛ فلا يمكن أن يقال الإنسان لما انقضى عنه.
وبالجملة: حال كون الإنسان إنسانا لم يكن إنسانيته بالتراب - الذي هو أحد عناصره - بل إنسانيته إنما هي بالصورة النوعية. فإذا لم يكن التراب حال كونه عنصر الإنسان مما يصح إطلاق اسم الإنسان عليه فكيف يصح إطلاق اسم الإنسان عليه في غير ذلك الحال؟! (1).
وظاهر كلامه فهو يعطي بعدم صدق العناوين الذاتية على من انقضى عنه؛ لا حقيقة ولا مجازا، بخلاف العناوين الاشتقاقية العرضية كالضارب؛ فيمكن صدقه عليه بلحاظ من انقضى عنه؛ لأن المتصف به هو الذات، وهو باق بعد انتفاء وصفه.
وبالجملة: يظهر من كلامه - حيث تشبث بالصور النوعية - كون النزاع عنده في العناوين الذاتية إلى أمر عقلي؛ بداهة أنه لو كان النزاع عنده في أمر لغوي فيمكن أن يقال بوضعها للأعم، كما صح أن يقال بوضعها لخصوص المتلبس بالعنوان؛ لأن عنان الوضع بيد الواضع سعة وضيقا؛ لعدم دوران التسمية مدار الهوية.
مثلا كما يصح أن يقال: إن اسم " الكلب " موضوع لخصوص ما يكون واجدا لصورة الكلبية فعلا، فكذلك يصح أن يقال: إنه موضوع للأعم منه وما استحال منه إليه وصار ملحا.
وكيف كان: الحق - كما أشرنا إليه آنفا - أن النزاع في أمر لغوي، ولا وجه للتمسك بذيل المطالب العقلية في تحكيم المعاني اللغوية؛ بأن شيئية الشيء بصورتها النوعية، وأن فعلية الشيء بصورته لا بمادته.
والدليل القويم لإخراج العناوين الذاتية عن محل البحث هو التبادر، وهو أصدق شاهد بخروج تلك العناوين عن محل البحث.