برتبتين، فإنسباق تلك العناوين بواسطة نفس انسباق المعنى الموضوع له، فلا يعقل تبادرها حال كون المعنى مجهولا.
وبالجملة: مدعي التبادر: إما يرى تبادر نفس المعنى إلى الذهن ثم العناوين، أو بالعكس، أو تبادرهما معا.
لا وجه للأول; لأن المفروض أن نفس المعنى مجهول، وأريد تعريفه بتلك العناوين المتأخرة.
ولا وجه للثاني أيضا; لأن تبادر تلك العناوين حيث إنها متأخرة عن المعنى برتبة أو رتبتين، فلا يعقل تبادرها قبل تبادر المعنى; لأن التبادر: هو انسباق المعنى من نفس اللفظ، فإذا لم يكن المعنى الموضوع له متبادرا، فما ظنك بما يكون جائيا من قبله.
وبما ذكرنا يظهر عدم استقامة الوجه الثالث، وهو تبادر المعنى وتلك العناوين معا، فتدبر.
وإياك أن تتوهم: أن ما ذكرناه مخالف لما هو المعروف بينهم: من أن الشيء كما يمكن تعريفه من ناحية علله، فكذلك يمكن تعريفه من ناحية معاليله وعوارضه (1); وذلك لأنه كم فرق بين باب دلالة اللفظ على المعنى وباب المعرفية، والتبادر من باب دلالة اللفظ; لأنه عبارة عن انسباق المعنى من نفس اللفظ، فإذا أريد فهم شيء من اللفظ، فلابد أولا من أن ينتقل من اللفظ إلى المعنى الموضوع له، ثم من المعنى إلى لوازمه وعوارضه، وهذا غير تعريف الشيء بلوازمه وعوارضه، كما لا يخفى على المتأمل.
وبالجملة: إذا كان أحد الشيئين ملازما للآخر، فعند تصور أحدهما ينتقل إلى