ولا يكون لهم اصطلاح ثالث في العرض، وما ذكره دام ظله لا ينطبق على مذاق القوم بشيء من الاصطلاحين; ضرورة أن حجية خبر الواحد - مثلا - لو كانت من المجعولات التأسيسية الشرعية، فبعد حجيته لا يتصف خبر الواحد في الخارج بشيء كان فاقدا إياه، وعرض عليه شيء لم يكن واجدا له، بل هي أمر انتزاعي، ينتزع من أمر الشارع العمل به، فالحجية أمر انتزاعي، لا وجود لها في الخارج، فلا يصدق عليه العرض بشيء من الاصطلاحين.
وإن تصرفت في العرض، وعممته بما يشمل الأمر الانتزاعي الذي لا يكون له وجود في الخارج، وإنما الوجود لمنشئه، فهو اصطلاح لم يقل به أحد من القوم، فحمل كلماتهم على أمر غير معهود عندهم ليس كما ينبغي.
فلم يتحصل لنا وجود أمر واحد وموضوع فارد، يكون البحث في علم الأصول عن عوارض الذاتية، وغاية ما تحصل لنا: هو اشتراك جميع مسائل علم الأصول في أنها يستفاد منها أحكام الله تعالى ووظائفه المقررة، والله الهادي.
الجهة الخامسة في تعريف أصول الفقه وليعلم أولا: أن ظاهر من يورد على تعريف من حيث عدم الاطراد، أو عدم الانعكاس، ثم يأتي تعريف آخر، هو أن يكون تعريفه جامعا للأفراد، مطردا فيها، مانعا لدخول غيرها; من غير فرق في ذلك بين كون المعرف ماهية حقيقية أو اعتبارية.
وجامعية التعريف لأفراده ومانعيته عن الأغيار لابد وأن يكون بظاهر التعريف، لا بمراد شخص المعرف ولو لم يكن ظاهرا من اللفظ.
وبالجملة: لابد لمن يعرف ماهية ولو اعتبارية أن يذكر في تعريفه جميع القيود الدخيلة; حتى يسلم من إشكالات عدم الاطراد وعدم الانعكاس.