بالسير إلى أي نقطة من نقاط الكوفة، فتكون لفظتا «من» و «إلى» - في مثل تلك الموارد - مستعملتين في الطبيعي القابل للصدق على الكثيرين (1).
أقول: ولا يخفى أن هذا المورد هو عمدة ما يمكن أن يستدل به لاستعمال الحروف في العموم والجامع; بلحاظ أن السير المتعلق للأمر قابل للانطباق على أكثر من واحد، وللبصرة والكوفة نقاط مختلفة يجوز للمأمور الابتداء من أي نقطة من نقاط البصرة، والانتهاء به إلى أي نقطة من الكوفة.
ولكن التحقيق: أن حال الحروف في مثل هذا المورد أيضا حال الموردين المتقدمين لم يستعمل في الجامع والعموم; وذلك لأنه لا استقلال للفظتي «من» و «إلى»; لا في الوجود، ولا في الماهية، ولا في أصل الدلالة، بل في كل ذلك تبع للغير، فلاحظ لهما من الوحدة والكثرة إلا تبعا، فلفظة «من» تفيد الربط بين طبيعة السير - الجامعة بين الأفراد - وبين البصرة والكوفة بأي جزء من أجزائهما، فحكايتها عن الارتباطات الكثيرة من باب استعمال اللفظ في الأكثر من تعلق واحد لا استعماله في الجامع بينها، فتدبر.
الجهة الخامسة في هيئات الجمل التامة ظهر لك مما ذكرنا: أنه لم يكن ضابط كلي في باب الحروف في أن جميعها إيجادية أو إخطارية، بل بعضها إيجادية، وبعضها إخطارية، بل بعضها مجرد علامة، فكذلك لا يكون لنا ضابط كلي في باب الهيئات، ولم يقم برهان ولا دليل على أن جميعها على وتيرة واحدة، فلابد من ملاحظة كل نوع وصنف من الهيئات; ليظهر