الجهة الثالثة في تمايز العلوم إن القوم بعد ما تسالموا على لزوم وجود موضوع واحد لكل علم (1)، قال أكثرهم: إن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، وموضوع كل علم يختلف عن موضوع علم آخر (2)، وحين رأوا أن موضوعا واحدا يذكر في علمين - كاللفظ العربي أو الكلمة والكلام، حيث يكون موضوع علمي الصرف والنحو - أضافوا قيد الحيثية، وقالوا:
إن موضوع علم النحو لم يكن اللفظ العربي من حيث هو هو، بل من حيث الإعراب والبناء، وموضوع علم الصرف اللفظ العربي من حيث الصحة والاعتلال (3).
وحين التفتوا إلى أن لازم أخذ الحيثية الفعلية في اللفظ العربي أخذ عقد المحمول في عقد الوضع - فيكون المعنى: أن اللفظ العربي المعرب فعلا يعرب بإعراب كذا، واللفظ العربي المعتل فعلا معتل بكذا... وهكذا - قالوا: إن المراد بالحيثية الحيثية الشأنية، وهي صلاحية اللفظ العربي واستعداده لأن يكون معربا موضوع علم النحو، وشأنيته لأن يصير صحيحا أو معتلا موضوع علم الصرف (4).
ولكن خالفهم في ذلك المحقق الخراساني (قدس سره)، وقال: إن تمايز العلوم بتمايز الأغراض، وإلا فإن كان بالموضوعات يلزم أن يكون كل باب بل كل مسألة علما على حدة، وحيث إن تمايز العلوم بتمايز الأغراض، فقد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل في ترتب الأثر، وأما في جميع المسائل فلا، ولا مانع من تداخل بعض المسائل