والمعنى، فقد تحصل بأمور أخر، كسهولة أداء وحسن تركيب... إلى غير ذلك.
الجهة الثانية في حقيقة الوضع قد ظهر لك في الجهة السابقة: أنه لم يكن بين اللفظ والمعنى قبل الوضع رابطة وخصوصية، فهل تكون بعد الوضع رابطة واقعية بينهما; بحيث تتحقق بينهما ملازمة واقعية، نظير لازم الماهية; بحيث لا يكون بينها وبين لازم الماهية فرق، إلا من جهة أن لازم الماهية ذاتي، وما بين اللفظ ومعناه جعلي، أو لا تكون بعد الوضع أيضا رابطة وخصوصية بينهما، ولا يمس الوضع كرامة الواقع؟ وجهان، بل قولان.
يظهر من المحقق العراقي (قدس سره): أنه يتحقق الربط بين اللفظ والمعنى بعد الوضع له، أو بعد كثرة الاستعمال الموجبة له، نحو تحقق الملازمة بين الماهيتين المتلازمتين وإن لم يوجد شيء منهما في الخارج، كالحرارة اللازمة لماهية النار في الواقع وإن لم توجد في الخارج نار، والزوجية اللازمة لماهية الأربعة، فكما أن العاقل إذا تصور النار والحرارة أو الزوجية والأربعة، حكم بالملازمة بينهما فعلا وإن جزم فعلا بعدمهما في الخارج، فكذلك الربط الوضعي بين اللفظ والمعنى في ذهن العالم بالوضع، فإن الملتفت إلى الوضع يحكم فعلا بهذه الملازمة عند تصور اللفظ والمعنى وإن لم يوجد لفظ في الخارج، غاية الأمر أن الملازمة الأولى ذاتية، والملازمة الوضعية جعلية، وجعليتها لا تنافي تحققها في لوح الواقع، كما أن جميع العلوم المخترعة - بعد جعلها واختراعها - كذلك وإن لم يوجد في الخارج من يعلم شيئا منها; لأن نظر من يحيط بها علما - أو بشيء منها - طريق إليه، لا محقق وجاعل له بعد أن لم يكن.
وبهذا ظهر لك: أن الربط الوضعي بعد جعله ليس من منشآت نفس العالم به، ومن علومها الفعلية التي لا يكون لها تحقق أصلا قبل إنشاء النفس إياها، كأنياب