بقي هنا شئ وهو أن الاستطاعة المأخوذة في لسان الآية الشريفة (1) والروايات (2) شرط بوجودها اللحاظي لوجوب الحج في عالم الاعتبار والجعل وبوجودها الواقعي لاتصاف الحج بالملاك في عالم المبادئ، وحيث إن اتصاف الحج بالملاك في مرحلة المبادئ لا يمكن أن يكون مشروطا بشرط متأخر ولا متقدم، فبطبيعة الحال يدور هذا الاتصاف مدار الاستطاعة في أشهر الحج حدوثا وبقاء، وعليه فإذا استطاع المكلف قبل أشهر الحج لم تكن استطاعته مؤثرة في اتصاف الحج بالملاك في أشهر الحج، وإلا لزم تأثير المتقدم في المتأخر وهو مستحيل.
وحينئذ فإن بقت استطاعته إلى أشهر الحج، كانت مؤثرة فيه بقاء، ونتيجة ذلك أنه لا يجب على المكلف حفظ الاستطاعة إذا استطاع قبل أشهر الحج، فيجوز له تفويت الاستطاعة ولا يكون ملزما بحفظها، حيث لا يلزم من تفويتها، تفويت شئ لا الوجوب ولا الملاك، لفرض أنه لا وجوب ولا ملاك للحج قبل الأشهر، نعم بعد دخولها، فلا يجوز تفويتها لاستلزامه تفويت الملاك الملزم.
وبكلمة أن الصحيح في المسألة بناء على ما قويناه من استحالة الشرط المتأخر والمتقدم هو ما ذهب إليه المشهور من عدم وجوب حفظ الاستطاعة في طول السنة، وإنما يجب حفظها في أشهر الحج فحسب سواء أكانت الاستطاعة حاصلة فيها أم باقية من السابق، فإنه على كلا التقديرين يجب حفظها ولا يجوز تفويتها لأنه تفويت للملاك الملزم. نعم بناء على