وأما الأمر الثاني، فيرد عليه أن شرط المأمور به ليس مجرد أخذه فيه في لسان الدليل شرعا لكي يقال أن الشرط هنا بمعنى آخر غير الشرط الذي هو جزء العلة التامة، وذلك لما تقدم من أن تقييد المأمور به بقيد لا يمكن أن يكون جزافا وبدون مبرر، فلا محالة يكون مبنيا على نكتة واقعية في المرتبة السابقة، وهي أنه دخيل في الملاك القائم بالمأمور به واقعا وترتبه عليه خارجا، وهذه النكتة الثبوتية هي التي تدعو المولى إلى أخذه قيدا للمأمور به في مقام الاثبات ليكون كاشفا عنه في مقام الثبوت، وحيث إن ترتب الملاك الواقعي على وجود المأمور به في الخارج أمر تكويني واقعي، فيكون القيد شرطا لأمر تكويني، ومن هنا لا فرق بين الشروط في باب التشريعات والشروط في باب التكوينيات، فإن الشروط في الأولى في الحقيقة شروط للأمور الواقعية التكوينية كاتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادئ في شروط الوجوب وترتب الملاك على الفعل في الخارج في شروط الواجب، وكلاهما أمر تكويني لا تشريعي ودخالتها في هذا الأمر التكويني ثبوتا هي الموجبة لأخذها قيدا للحكم أو المتعلق في مقام الاثبات ليكون كاشفا عنها في مقام الثبوت، وليس شرط المأمور به مجرد كونه قيدا له في مقام الاثبات الذي هو بيد الشارع، بل هو شرط في الحقيقة لترتب الملاك عليه في الواقع ومقام الثبوت، وهو ليس بيد الشارع بما هو شارع لأنه أمر تكويني غير قابل للجعل تشريعا، فإذن الشرط في كلا البابين بمعنى واحد وهو التأثير والتأثر في الأمر التكويني، وعلى هذا فكما أن تأخر الشرط عن المشروط مستحيل في التكوينيات فكذلك في المقام، فإذا فرضنا أن غسل المستحاضة في الليلة اللاحقة شرط في صحة صومها في النهار على النحو الشرط المتأخر، فإن معنى ذلك هو أن مصلحته مترتبة عليه في النهار قبل تحقق الغسل في الليل،
(٤٤)