بمائع أبيض، اندك أحدهما بالآخر قهرا وحصل التفاعل بالتأثير والتأثر بينهما فيكتسب كل منهما من الآخر ما هو فاقد له فلهذا يصبحان مائعا واحدا لا هذا بحده ولا ذاك، وكذلك إذا امتزج ماء حار بماء بارد، فإنه يتولد منهما ماء ثالث لا حار ولا بارد وهكذا، وأما الأمور الاعتبارية كالأحكام الشرعية فلا واقع لها في الخارج حتى يتصور فيها ذلك.
نعم يتصور الاندكاك والتفاعل بالتأثير والتأثر بين الملاكين في مرحلة المبادئ على أساس أنهما من الأمور التكوينية، فإذا اجتمع ملاك الوجوب والاستحباب في شئ واحد فلا محالة يندك أحدهما في الآخر بالفعل والانفعال، فيصبح الملاكان ملاكا واحدا أقوى وآكد من كل واحد منهما بحده الخاص، ولكن هذا الاندكاك والتفاعل بين ملاكات الأحكام الشرعية إنما هو في مرتبة فعلية الأحكام أي فعلية فاعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج لا في مرتبة الجعل فإنها مرتبة التقدير والفرض، لأن المولى فرض وجود العالم في الخارج وجعل وجوب الاكرام له لأجل ما يرى في اكرامه من مصلحة، وفرض وجود الهاشمي فيه وجعل وجوب الاكرام له من جهة ما يرى في اكرامه من مصلحة، فكل من الجعلين مستقل ولا يرتبط أحدهما بالآخر، وحينئذ فإذا وجد شخص في الخارج وصدق عليه عنوان العالم والهاشمي معا فاكرامه يكون مصداقا لكلا الإكرامين الواجبين، فلهذا يجزي عن كليهما معا وقد اجتمع فيه ملاك كلا الحكمين هما وجوب اكرام العالم ووجوب اكرام الهاشمي ويندك أحدهما في الآخر، حيث لا يمكن الحفاظ على كل واحد منهما بحده، ولكن هذا الاندكاك لا يوجب وحدة الجعل والاعتبار في مورد الاجتماع إذ لا شبهة في تعدد الجعل، غاية الأمر أن فاعلية كلا الحكمين المجعولين في مرتبة فعلية موضوعهما في الآخر ومحركيته