ملاك الاستحباب قائم بالطهارات الثلاث وملاك الوجوب الغيري قائم بالصلاة مثلا لا بالطهارات الثلاث فلا موضوع حينئذ للإندكاك بينهما، ولكن حيث إن كلا الملاكين يقتضي الاتيان بالطهارات الثلاث فيكون الاندكاك في فاعلية الحكمين ومحركيتهما لا في الملاك.
الوجه الثالث: أن الأمر الاستحبابي النفسي في غالب الأوقات يكون مغفولا عنه، حيث إن أكثر الناس كانوا يعتقدون بأن الوضوء أو الغسل واجب غيري وغافلين عن استحبابه النفسي وكانوا يأتون به بقصد وجوبه الغيري، ومع هذا لا شبهة في صحته، وهذا دليل على أن الأمر الاستحبابي النفسي لا يكون منشأ لعبادية الطهارات الثلاث، وقد أجاب عن ذلك المحقق الخراساني (قدس سره) بتقريب أن الأمر الغيري المتعلق بالطهارات الثلاث لا محالة يدعو المكلف إلى الاتيان بها، على أساس أن كل أمر يدعو إلى الاتيان بمتعلقه، وحيث إن متعلق الأمر الغيري الطهارات الثلاث بقصد القربة، فهو يدعو إلى الاتيان بها كذلك، وعلى هذا فإذا أتى بها بداعي أمرها الغيري فقد أتى بها بقصد أمرها الاستحبابي النفسي ضمنا أي في ضمن قصد أمرها الغيري على أساس أنه مأخوذ في متعلقه (1) هذا.
ولكن الجواب غير سديد. وذلك لأن قصد الأمر الاستحبابي إذا كان مأخوذا في الطهارات الثلاث كما هو المفروض كان مقوما لعباديتها، ومع هذا لا يمكن الحكم بصحتها في صورة الغفلة عنه لأنها فاقدة لما هو معتبر في صحتها وهو قصد الأمر الاستحبابي النفسي، وأما قصد الأمر الغيري فهو بنفسه لا يكون مقربا، فما هو مقرب لم يقصده لمكان الغفلة عنه وما قصده لم يكن مقربا.