حنيفة والقول القديم للشافعي رحمهم الله وذهب في الجديد إلى أنه يصح الاقرار. وهو مذهب طاوس وعطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز وهو اختيار أبي عبد الله البخاري في صحيحه واحتج بأن رافع بن خديج أوصى أن لا تكشف الفزارية عما أغلق عليه بابها. قال: وقال بعض الناس لا يجوز إقراره لسوء الظن بالورثة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " وقال الله تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " فلم يخص وارثا ولا غيره انتهى ما ذكره فمتى كان الاقرار صحيحا مطابقا لما في نفس الامر جرى فيه هذا الخلاف ومتى كان حيلة ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة ونقصان بعضهم فهو حرام بالاجماع وبنص هذه الآية الكريمة " غير مضار وصية من الله والله عليم حليم ". ثم قال تعالى:
تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم (13) ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين (14) أي هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه هي حدود الله فلا تعتدوها ولا تجاوزوها. ولهذا قال " ومن يطع الله ورسوله " أي فيها فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضها بحيلة ووسيلة بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته " يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين " أي لكونه غير ما حكم الله به وضاد الله في حكمه وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم - قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن أشعث بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى وحاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة ". قال ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم " تلك حدود الله - إلى قوله - عذاب مهين " قال أبو داود في باب الاضرار في الوصية من سننه: حدثنا عبيدة بن عبد الله أخبرنا عبد الصمد حدثنا نصر بن علي الحراني حدثنا الأشعث بن عبد الله بن جابر الحداني حدثني شهر بن حوشب أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الرجل ليعمل - أو المرأة - بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضران في الوصية فتجب لهما النار " وقال قرأ علي أبو هريرة من ههنا " من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار - حتى بلغ - ذلك الفوز العظيم ". وهكذا رواه الترمذي وابن ماجة من حديث أشعث وأكمل به وقال الترمذي: حسن غريب وسياق الإمام أحمد أتم وأكمل.
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (15) واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما (16) كان الحكم في ابتداء الاسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت ولهذا قال " واللاتي يأتين الفاحشة " يعني الزنا " من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا " فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك. قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم وكذا روى عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطاء الخراساني وأبي صالح وقتادة وزيد بن أسلم والضحاك أنها منسوخة وهو أمر