عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود أنه قال: أتيت المدينة فوافقتها وقد وقع بها مرض فهم يموتون موتا ذريعا فجلست إلى عمر بن الخطاب فمرت به جنازة فأثني على صاحبها خيرا فقال: وجبت ثم مر بأخرى فأثني عليها شرا فقال عمر: وجبت فقال أبو الأسود ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة " قال فقلنا وثلاثة قال: فقال " وثلاثة " قال: فقلنا واثنان. قال " واثنان " ثم لم نسأله عن الواحد وكذا رواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث داود ابن أبي الفرات به: وقال ابن مردويه حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى حدثنا أبو قلابة الرقاشي حدثني أبو الوليد حدثنا نافع بن عمر حدثني أمية بن صفوان عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي عن أبيه: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناوة يقول " يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم " قالوا بم يا رسول الله؟ قال " بالثناء الحسن والثناء السئ أنتم شهداء الله في الأرض " ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وعبد الملك بن عمرو وسريج عن نافع (عن) (1) بن عمل به.
وقوله تعالى " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " يقول تعالى إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولا إلى بيت المقدس ثم صرفناك عنه إلى الكعبة ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه أي مرتدا عن دينه وإن كانت لكبيرة أي هذه الفعلة وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة أي وإن كان هذا لأمر عظيما في النفوس إلا على الذين هدى الله قلوبهم وأيقنوا بتصديق الرسول وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك بخلاف الذين في قلوبهم مرض فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق كما قال الله تعالى " وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم " وقال تعالى " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى " وقال تعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب من سادات الصحابة وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا القبلتين وقال البخاري في تفسيره هذه الآية: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال: قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فتوجهوا إلى الكعبة وقد رواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده أنهم كانوا ركوعا فاستداروا كما هم إلى الكعبة وهم ركوع وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مثله وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ولرسوله وانقيادهم لأوامر الله عز وجل رضي الله عنهم أجمعين.
وقوله " وما كان الله ليضيع إيمانكم " أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك ما كان يضيع ثوابها عند الله وفي الصحيح من حديث أبي إسحق السبيعي عن البراء قال: مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس؟ فقال الناس ما حالهم في ذلك فأنزل الله تعالى " وما كان الله ليضيع إيمانكم " ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه. وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس " وما كان الله ليضيع إيمانكم " أي بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأخرى أي ليعطيكم أجرهما جميعا " إن الله بالناس لرؤف رحيم " وقال الحسن البصري " وما كان الله ليضيع إيمانكم " أي ما كان الله ليضيع محمدا صلى الله عليه وسلم