المسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي قد مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجالا قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله " وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم " انفرد به البخاري من هذا الوجه ورواه مسلم من وجه آخر وقال محمد بن إسحاق حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحق عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله فأنزل الله " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام " فقال رجال من المسلمين وددنا لو علمنا من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس فأنزل الله " وما كان الله ليضيع إيمانكم " وقال السفهاء من الناس وهم أهل الكتاب ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله " سيقول السفهاء من الناس " إلى آخر الآية وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا الحسن بن عطية حدثنا إسرائيل عن أبي إسحق عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة فأنزل الله " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام " قال فوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس وهم اليهود " ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " فأنزل الله " قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو الله وينظر إلى السماء فأنزل الله عز وجل " فولوا وجوهكم شطره " أي نحوه فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله " قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة وحاصل الامر أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس فكان بمكة يصلي بين الركنين وهو مستقبل صخرة بيت المقدس فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس قاله ابن عباس والجمهور ثم اختلف هؤلاء هل كان الامر به بالقرآن أو بغيره على قولين وحكى القرطبي في تفسيره عن عكرمة وأبي العالية والحسن البصري أن التوجه إلى بيت المقدس كان باجتهاده عليه السلام والمقصود أن التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة واستمر الامر على ذلك بعضة عشر شهرا وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يوجه إلى الكعبة التي هي قبله إبراهيم عليه السلام فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فأعلمهم بذلك وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر كما تقدم في الصحيحين من رواية البراء ووقع عند النسائي من رواية أبي سعيد بن المعلى أنها الظهر وقال كنت أنا وصاحبي أول من صلى إلى الكعبة وذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم أن تحويل القبلة نزل على رسول الله وقد صلى ركعتين من الظهر وذلك في مسجد بني سلمة فسمي مسجد القبلتين وفي حديث نويلة بنت مسلم أنهم جاءهم الخبر بذلك وهم في صلاة الظهر قالت: فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة وفي هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به وإن تقدم نزوله وإبلاغه لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء والله أعلم ولما وقع هذا حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتياب وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك وقالوا " ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " أي قالوا ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا فأنزل الله جوابهم في قوله " قل لله المشرق والمغرب " أي الحكم والتصرف والامر كله لله " فأينما تولوا فثم وجه الله " و " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله " أي الشأن كله في امتثال أوامر الله فحيثما وجهنا توجهنا فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة فنحن عبيده وفي
(١٩٥)