وصلى للناس الظهر يومئذ وكذا روى ابن مردويه عن ابن عمر: أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاة الظهر وأنها الصلاة الوسطى والمشهور أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة العصر ولهذا تأخر الخبر عن أهل قباء إلى صلاة الفجر وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا رجاء بن محمد السقطي حدثنا إسحاق بن إدريس حدثنا إبراهيم بن جعفر حدثني أبي عن جدته أم أبيه نويلة بنت مسلم قالت: صلينا الظهر - أو العصر - في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا ركعتين ثم جاء من يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أستقبل البيت الحرام فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام فحدثني رجل من بني حارثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أولئك رجال يؤمنون بالغيب " وقال ابن مردويه أيضا: حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي حدثنا قيس عن زياد بن علاقة عن عمارة بن أوس قال: بينما نحن في الصلاة نحو بيت المقدس ونحن ركوع إذ نادى مناد بالباب أن القبلة قد حولت إلى الكعبة قال فأشهد على إمامنا أنه انحرف فتحول هو والرجال والصبيان وهم ركوع نحو الكعبة.
وقوله " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ولا يستثنى من هذا شئ سوى النافلة في حال السفر فإنه يصليها حيثما توجه قالبه وقلبه نحو الكعبة وكذا في حال المسايفة في القتل يصلي على كل حال وكذا من جهل جهة القبلة يصلي باجتهاده وإن كان مخطئا في نفس الامر لان الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.
" مسألة " وقد استدل المالكية بهذه الآية على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده كما ذهب إليه الشافعي وأحمد وأبو حنيفة قال المالكية: بقوله " فول وجهك شطر المسجد الحرام " فلو نظر إلى موضع سجوده لاحتاج أن يتكلف ذلك بنوع من الانحناء وهو ينافي كمال القيام وقال بعضهم: ينظر المصلي في قيامه إلى صدره وقال شريك القاضي: ينظر في حال قيامه إلى موضع سجوده كما قال جمهور الجماعة لأنه أبلغ في الخضوع وآكد في الخشوع وقد ورد به الحديث وأما في حال ركوعه فإلى موضع قدميه وفي حال سجوده إلى موضع أنفه وفي حال قعوده إلى حجره.
وقوله " وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم " أي واليهود الذين أنكروا استقبالكم الكعبة وانصرافكم عن بيت المقدس يعلمون أن الله تعالى سيوجهك إليها بما في كتبهم عن أنبيائهم من النعت والصفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته وما خصه الله تعالى به وشرفه من الشريعة الكاملة العظيمة ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم حسدا وكفرا وعنادا ولهذا تهددهم تعالى بقوله " وما الله بغافل عما يعملون ".
ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل أية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين (145) يخبر تعالى عن كفر اليهود وعنادهم ومخالفتهم ما يعرفونه من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لو أقام عليهم كل دليل على صحة ما جاءهم به لما اتبعوه وتركوا أهواءهم كما قال تعالى " إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " ولهذا قال ههنا " ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك " وقوله " وما أنت بتابع قبلتهم " إخبار عن شدة متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى به وأنه كما هم مستمسكون بآرائهم وأهوائهم فهو أيضا مستمسك بأمر الله وطاعته واتباع مرضاته وأنه لا يتبع أهواءهم في جميع أحواله ولا كونه متوجها إلى بيت المقدس لكونها قبلة اليهود وإنما ذلك عن أمر الله تعالى ثم حذر تعالى عن مخالفة الحق الذي