فعند ذلك نفارقك ولو كان وليك غيره لتابعناك فعند ذلك قال الله تعالى " قل من كان عدوا لجبريل " الآية ورواه أحمد أيضا عن حسين بن محمد عن عبد الحميد به " طريق أخرى " قال أحمد: حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي عن بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال " والله على ما نقول وكيل " قال " هاتوا " قالوا: أخبرنا عن علامة النبي؟ قال " تنام عيناه ولا ينام قلبه " قالوا: أخبرك كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر قال " يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت وإذا علا ماء المراة أنثت " قالوا أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال " كان يشتكي عرق النساء فلم يجد شيئا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا - قال أحمد: قال بعضهم يعني الإبل - فحرم لحومها " قالوا: صدقت قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟
قال " ملك من ملائكة الله عز وجل موكل بالسحاب بيده - أو في يديه - مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله عز وجل " قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال " صوته " قالوا: صدقت إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها: إنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك؟ قال " جبريل عليه السلام " قالوا: جبريل ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان فأنزل الله تعالى " قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين " والآية بعدها وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن الوليد العجلي به نحوه وقال الترمذي حسن غريب. وقال ابن جريج والعوفي عن ابن عباس: كان إسرائيل عليه السلام - وهو يعقوب - يعتريه عرق النساء بالليل. وكان يقلقه ويزعجه عن النوم ويقلع الوجع عنه بالنهار فنذر لله لئن عافاه الله لا يأكل عرقا ولا يأكل ولد ماله عرق وهكذا قال الضحاك والسدي كذا رواه وحكاه ابن جرير في تفسيره قال: فاتبعه بنوه في تحريم ذلك استنانا به واقتداء بطريقه قال: وقوله " من قبل أن تنزل التوراة " أي حرم ذلك على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قلت: ولهذا السياق بعد ما تقدم مناسبتان. " إحداهما " أن إسرائيل عليه السلام حرم أحب الأشياء إليه وتركها لله وكان هذا سائغا في شريعتهم فله مناسبة بعد قوله " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ". فهذا هو المشروع عندنا وهو الانفاق في طاعة الله مما يحبه العبد ويشتهيه كما قال تعالى " وآتى المال على حبه " وقال تعالى " ويطعمون الطعام على حبه " الآية " المناسبة الثانية " لما تقدم بيان الرد على النصارى واعتقادهم الباطل في المسيح وتبيين زيف ما ذهبوا إليه وظهور الحق واليقين في عيسى وأمه كيف خلقه الله بقدرته ومشيئته وبعثه إلى بني إسرائيل يدعو إلى عبادة ربه تبارك وتعالى شرع في الرد على اليهود قبحهم الله تعالى وبيان أن النسخ الذي أنكروا وقوعه وجوازه قد وقع فإن الله تعالى قد نص في كتابهم التوراة أن نوحا عليه السلام لما خرج من السفينة أباح الله له جميع دواب الأرض يأكل منها ثم بعد هذا حرم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل وألبانها فاتبعه بنوه في ذلك وجاءت التوراة بتحريم ذلك وأشياء أخرى زيادة على ذلك وكان الله عز وجل قد أذن لآدم في تزويج بناته من بنيه وقد حرم ذلك بعد ذلك وكان التسري على الزوجة مباحا في شريعة إبراهيم عليه السلام وقد فعله إبراهيم في هاجر لما تسرى بها على سارة. وقد حرم مثل هذا في التوراة عليهم وكذلك كان الجمع بين الأختين سائغا وقد فعله يعقوب عليه السلام جمع بين الأختين ثم حرم عليهم ذلك في التوراة. وهذا كله منصوص عليه في التوراة عندهم وهذا هو النسخ بعينه. فكذلك فليكن ما شرعه الله للمسيح عليه السلام في إحلاله بعض ما حرم في التوراة فما بالهم لم يتبعوه بل كذبوه وخالفوه؟ وكذلك ما بعث الله به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين القويم والصراط المستقيم وملة أبيه إبراهيم فما بالهم لا يؤمنون؟ ولهذا قال تعالى " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة " أي كان حلا لهم جميع الأطعمة قبل نزول التوراة إلا ما حرمه إسرائيل ثم قال تعالى " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " فإنها ناطقة بما قلناه " فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون " أي فمن كذب على الله وادعى أنه شرع لهم السبت والتمسك بالتوراة دائما وإنه