الغداة قال: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا وأقرا له بالخراج قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " والذي بعثني بالحق لو قالا: لا لا مطر عليهم الوادي نارا " قال جابر: وفيهم نزلت " ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم " قال جابر " أنفسنا وأنفسكم " رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب " وأبناءنا " الحسن والحسين " ونساءنا " فاطمة. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن علي بن عيسى عن أحمد بن محمد بن الأزهري عن علي بن حجر عن علي بن مسهر عن داود بن أبي هند به بمعناه. ثم قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا. قالا: وقد رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن المغيرة عن الشعبي مرسلا وهذا أصح وقد روى عن ابن عباس والبراء نحو ذلك ثم قال الله تعالى " إن هذا لهو القصص الحق " أي هذا الذي قصصناه عليك يا محمد في شأن عيسى هو الحق الذي لا معدل عنه ولا محيد " وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا ". أي عن هذا إلى غيره " فإن الله عليم بالمفسدين " أي من عدل عن الحق إلى الباطل فهو المفسد والله عليم به وسيجزيه على ذلك شر الجزاء وهو القادر الذي لا يفوته شئ سبحانه وبحمده ونعوذ به من حلول نقمته.
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواة بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون (64) هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة " والكلمة تطلق على الجملة المفيدة كما قال ههنا ثم وصفها بقوله " سواء بيننا وبينكم " أي عدل ونصف نستوي نحن وأنتم فيها ثم فسرها بقوله " أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا " لا وثنا ولا صليبا ولا صنما ولا طاغوتا ولا نارا ولا شيئا بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له وهذه دعوة جميع الرسل قال الله تعالى " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه إنه لا إله إلا أنا فاعبدون " وقال تعالى " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " ثم قال تعالى " ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ". وقال ابن جريج: يعني يطيع بعضنا بعضا في معصية الله.
وقال عكرمة: يسجد بعضنا لبعض " فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " أي فإن تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة فاشهدوا أنتم على استمراركم على الاسلام الذي شرعه الله لكم. وقد ذكرنا في شرح البخاري عند روايته من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن أبي سفيان في قصته حين دخل على قيصر فسأله عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صفته ونعته وما يدعو إليه فأخبره بجميع ذلك على الجلية مع أن أبا سفيان إذ ذاك كان مشركا لم يسلم إلا بعد وكان ذلك بعد صلح الحديبية وقبل الفتح كما هو مصرح به في الحديث ولأنه لما سأله: هل يغدر؟ قال: فقلت لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها قال: ولم يمكني كلمة أزيد فيها شيئا سوى هذه والغرض أنه قال ثم جئ بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فأسلم تسلم وأسلم يؤتك أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين و " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون.
وقد ذكر محمد بن إسحاق وغير واحد أن صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها نزلت في وفد نجران. وقال الزهري: هم أول من بذل الجزية ولا خلاف أن آية الجزية نزلت بعد الفتح فما الجمع بين كتابة هذه الآية قبل الفتح إلى هرقل في جملة الكتاب وبين ما ذكره محمد بن إسحاق والزهري؟ والجواب من وجوه. " أحدها " يحتمل أن هذه الآية نزلت مرتين مرة قبل الحديبية ومرة بعد الفتح. " الثاني " يحتمل أن صدر سورة آل عمران نزل في وفد