الشافعي رحمه الله أن صلاة الوسطى هي صلاة العصر وإن كان قد نص في الجديد وغيره أنها الصبح لصحة الأحاديث أنها العصر وقد وافقه على هذه الطريقة جماعة من محدثي المذهب ولله الحمد والمنة ومن الفقهاء في المذهب من ينكر أن تكون هي العصر مذهب الشافعي وصمموا على أنها الصبح قولا واحدا قال الماوردي:
ومنهم من حكى في المسألة قولين ولتقرير المعارضات والجوابات موضع آخر غير هذا وقد أفردناه على حدة ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى " وقوموا لله قانتين " أي خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه وهذا الامر مستلزم ترك الكلام في الصلاة لمنافاته إياها ولهذا لما امتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرد على ابن مسعود حين سلم عليه وهو في الصلاة اعتذر إليه بذلك وقال " إن في الصلاة لشغلا " وفي صحيح مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاوية بن الحكم السلمي حين تكلم في الصلاة " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله " وقال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل حدثني الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال: كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه الآية " وقوموا لله قانتين " فأمرنا بالسكوت رواه الجماعة سوى ابن ماجة من طرق عن إسماعيل به وقد أشكل هذا الحديث على جماعة من العلماء حيث ثبت عندهم أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة إلى المدينة وبعد الهجرة إلى أرض الحبشة كما دل على ذلك حديث ابن مسعود الذي في الصحيح قال: كنا نسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن نهاجر إلى الحبشة وهو في الصلاة فيرد علينا قال فلما قدمنا سلمت عليه فلم يرد علي فأخذني ما قرب وما بعد فلما سلم قال " إني لم أرد عليك إلا أني كنت في الصلاة وإن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة " وقد كان ابن مسعود ممن أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة ثم قدم منها إلى مكة مع من قدم فهاجر إلى المدينة وهذه الآية " وقوموا لله قانتين " مدنية بلا خلاف فقال قائلون إنما أراد زيد بن أرقم بقوله كان الرجل يكلم أخاه في حاجته في الصلاة الاخبار عن جنس الكلام واستدل على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها والله أعلم. وقال آخرون إنما أراد أن ذلك قد وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها ويكون ذلك فقد أبيح مرتين وحرم مرتين كما اختار ذلك قوم من أصحابنا وغيرهم والأول أظهر والله أعلم وقال الحافظ أبو يعلى: أخبرنا بشر بن الوليد أخبرنا إسحق بن يحيى عن المسيب عن ابن مسعود قال: كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة فمررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه فلم يرد علي فوقع في نفسي أنه نزل في شئ فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " وعليك السلام أيها المسلم ورحمة الله إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء فإذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تكلموا " وقوله " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون " لما أمر تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات والقيام بحدودها وشدد الامر بتأكيدها ذكر الحال الذي يشتغل الشخص فيما عن أدائها على الوجه الأكمل وهي حال القتال والتحام الحرب فقال " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " أي فصلوا على أي حال كان رجالا أو ركبانا: يعني مستقبلي القبلة وغير مسقبليها كما قال مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ثم قال: فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها.
قال نافع: لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه البخاري وهذا لفظ مسلم ورواه البخاري أيضا من وجه آخر عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه أو قريبا منه ولمسلم أيضا عن ابن عمر قال: فإن كان خوف أشد من ذلك فصل راكبا أو قائما تومئ إيماء وفي حديث عبد الله بن أنيس الجهني لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خالد بن سفيان الهذلي ليقتله وكان نحو عرفة أو عرفات فلما وجهه حانت صلاة العصر قال:
فخشيت أن تفوتني فجعلت أصلي وأنا أومئ إيماء - الحديث بطوله رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد وهذا من رخص الله التي رخص لعباده ووضعه الآصار والأغلال عنهم وقد روى ابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس قال: في هذه الآية يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه قال: وروي عن الحسن ومجاهد