خصومته يكذب ويزور عن الحق ولا يستقيم معه بل يفتري ويفجر كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر " وقال البخاري: حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة ترفعه. قال: " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " قال: وقال عبد الله بن يزيد: حدثنا سفيان حدثنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " وهكذا رواه عبد الرزاق عن معمر في قوله " وهو ألد الخصام " عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ".
وقوله " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " أي هو أعوج المقال سيئ الفعال فذلك قوله وهذا فعله كلامه كذب واعتقاده فاسد وأفعاله قبيحة والسعي ههنا هو القصد كما قال إخبارا عن فرعون " ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الاعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى " وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " أي اقصدوا واعمدوا ناوين بذلك صلاة الجمعة فإن السعي الحسي إلى الصلاة منهي عنه بالسنة النبوية " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار " فهذا المنافق ليس له همة إلا الفساد في الأرض وإهلاك الحرث وهو محل نماء الزروع والثمار والنسل وهو نتاج الحيوانات الذين لا قوام للناس إلا بهما. وقال مجاهد إذا سعى في الأرض إفسادا منع الله القطر فهلك الحرث والنسل " والله لا يحب الفساد " أي لا يحب من هذه صفته ولا من يصدر منه ذلك.
وقوله " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم " أي إذا وعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله وقيل له اتق الله وانزع عن قولك وفعلك وارجع إلى الحق امتنع وأبى وأخذته الحمية والغضب بالاثم أي بسبب ما اشتمل عليه من الآثام وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى " وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير " ولهذا قال في هذه الآية " فحسبه جهنم ولبئس المهاد " أي هي كافيته عقوبة في ذلك.
وقوله " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " لما أخبر عن المنافقين بصفاتهم الذميمة ذكر صفات المؤمنين الحميدة فقال " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " قال ابن عباس وأنس وسعيد بن المسيب وأبو عثمان النهدي وعكرمة وجماعة نزلت في صهيب بن سنان الرومي وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل فتخلص منهم وأعطاهم ماله فأنزل الله فيه هذه الآية فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة فقالوا له ربح البيع فقال وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم وما ذاك فأخبروه أن الله أنزل هذه الآية. ويروى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له " ربح البيع صهيب " قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الله بن رسته حدثنا سليمان بن داود حدثنا جعفر بن سليمان الضبي حدثنا عوف عن أبي عثمان النهدي عن صهيب قال: لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت لي قريش يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك وتخرج أنت ومالك والله لا يكون ذلك أبدا فقلت لهم أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني؟ قالوا نعم فدفعت إليهم مالي فخلوا عني فخرجت حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال " ربح صهيب ربح صهيب " مرتين وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته وانثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش قد علمتم أنى من أرماكم رجلا وأنتم والله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شئ ثم افعلوا ما شئتم وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي قالوا نعم فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " ربح البيع " قال ونزلت " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد " وأما الأكثرون فحملوا ذلك على أنها نزلت في