ومحمد بن كعب ومقاتل بن حيان نحو ذلك وهكذا حكاه ابن جرير عن جماعة والله أعلم. والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عز وجل ولهذا كان انتصاب قوله أو أشد ذكرا على التمييز تقديره كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا وأو ههنا لتحقيق المماثلة في الخبر كقوله " فهي كالحجارة أو أشد قسوة " وقوله " يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية " " فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " " فكان قاب قوسين أو أدنى " فليست ههنا للشك قطعا وإنما هي لتحقيق المخبر عنه كذلك أو أزيد منه. ثم إنه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره فإنه مظنة الإجابة وذم من لا يسأله إلا في أمر دنياه وهو معرض عن أخراه فقال " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " أي من نصيب ولاحظ وتضمن هذا الذم والتنفير عن التشبه بمن هو كذلك قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان قوم من الاعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا فأنزل الله فيهم " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " وكان يجئ بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فأنزل الله " أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب " ولهذا مدح من يسأله الدنيا والآخرة فقال " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا وصرفت كل شر فإن كل الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار رحبة وزوجة حسنة ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح ومركب هين وثناء جميل إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين ولا منافاة بينها فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا. وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الامن من الفزع الأكبر في العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة. وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام. وقال القاسم أبو عبد الرحمن: من أعطى قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وجسدا صابرا فقد أوتي في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة ووقي عذاب النار. ولهذا وردت السنة بالترغيب في هذا الدعاء. فقال البخاري: حدثنا معمر حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس بن مالك قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول " اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " وقال أحمد:
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال: سأل قتادة أنسا أي دعوة كان أكثر ما يدعوها النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول " اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه ورواه مسلم وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد السلام بن شداد يعني أبا طالوت قال: كنت عند أنس بن مالك فقال له ثابت إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم فقال: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتحدثوا ساعة حتى إذا أرادوا القيام قال أبا حمزة: إن إخوانك يريدون القيام فادع الله لهم فقال: أتريدون أن أشقق لكم الأمور إذا آتاكم الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقاكم عذاب النار فقد آتاكم الخير كله. وقال أحمد أيضا: حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن ثابت عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هل تدعو الله بشئ أو تسأله إياه " قال نعم: كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " سبحان الله لا تطيقه أو لا تستطيعه فهلا قلت " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " قال فدعا الله فشفاه انفرد بإخراجه مسلم فرواه من حديث ابن أبي عدي به. وقال الإمام الشافعي:
أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد مولى السائب عن أبيه عن عبد الله بن السائب أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ورواه الثوري عن ابن جريج كذلك. وروى ابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو ذلك وفي سنده ضعف والله أعلم. وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي أخبرنا أحمد بن القاسم بن مساور حدثنا سعيد بن سليمان عن عبد الله بن هرمز عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكا