من يصلي وهو يمشي فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في الصيام فمنهم من يصوم بعض النهار ومنهم من يصوم عن بعض الطعام فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك. واختلفوا في إبراهيم عليه السلام فقالت اليهود:
كان يهوديا. وقالت النصارى: كان نصرانيا وجعله الله حنيفا مسلما فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك.
واختلفوا في عيسى عليه السلام: فكذبت به اليهود وقالوا لامه بهتانا عظيما وجعلته النصارى إلها وولدا وجعله الله روحه وكلمته فهدى الله أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - للحق من ذلك وقال الربيع بن أنس في قوله " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه " أي عند الاختلاف أنهم كانوا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف أقاموا على الاخلاص لله عز وجل وحده وعبادته لا شريك له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فأقاموا على الأمر الأول الذي كان قبل الاختلاف واعتزلوا الاختلاف وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وآل فرعون أن رسلهم قد بلغوهم وأنهم قد كذبوا رسلهم وفي قراءة أبي بن كعب وليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وكان أبو العالية يقول في هذه الآية المخرج من الشبهات والضلالات والفتن.
وقوله " بإذنه " أي بعلمه بهم وبما هداهم له قاله ابن جرير " والله يهدي من يشاء " أي من خلقه " إلى صراط مستقيم " أي وله الحكمة والحجة البالغة. وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول: " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " وفي الدعاء المأثور " اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ولا تجعله متلبسا علينا فنضل واجعلنا للمتقين إماما ".
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين أمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب (214) يقول تعالى " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " قبل أن تبتلوا وتختبروا وتمتحنوا كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم ولهذا قال " ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء " وهي الأمراض والأسقام والآلام والمصائب والنوائب. قال ابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير ومرة الهمذاني والحسن وقتادة والضحاك والربيع والسدي ومقاتل بن حيان " البأساء " الفقر " والضراء " السقم " وزلزلوا " خوفوا من الأعداء زلزالا شديدا وامتحنوا امتحانا عظيما كما جاء في الحديث الصحيح عن خباب بن الأرت قال: قلنا يا رسول الله ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا فقال " إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه " ثم قال " والله ليتمن الله هذه الامر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون وقال الله تعالى " ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " وقد حصل من هذا جانب عظيم للصحابة رضي الله عنهم في يوم الأحزاب كما قال الله تعالى " إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا * وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " الآيات. ولما سأل هرقل أبا سفيان هل قاتلتموه قال: نعم. قال: فكيف كانت الحرب بينكم؟ قال: سجالا يدال علينا وندال عليه. قال: كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة. وقوله " مثل