إليها وجمعوا الأموال ومنعوها عن مصارفها التي أمروا بها مما يرضي الله عنهم وسخروا من الذين آمنوا الذين أعرضوا عنها وأنفقوا ما حصل لهم منها في طاعة ربهم وبذلوه ابتغاء وجه الله فلهذا فازوا بالمقام الأسعد والحظ الأوفر يوم معادهم فكانوا فوق أولئك في محشرهم ومنشرهم ومسيرهم ومأواهم فاستقروا في الدرجات في أعلى عليين وخلد أولئك في الدركات في أسفل سافلين؟ ولهذا قال تعالى " والله يرزق من يشاء بغير حساب " أي يرزق من يشاء من خلقه ويعطيه عطاء كثيرا جزيلا بلا حصر ولا تعداد في الدنيا والآخرة كما جاء في الحديث " ابن آدم أنفق أنفق عليك " وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا " وقال تعالى " وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه " وفي الصحيح " أن ملكين ينزلان من السماء صبيحة كل يوم فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر:
اللهم أعط ممسكا تلفا " وفي الصحيح " يقول ابن آدم: مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت وما لبست فأبليت وما تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " وفي مسند الإمام أحمد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له ".
كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين أمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (213) قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود أخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله " كان الناس أمة واحدة فاختلفوا " ورواه الحاكم في مستدركه من حديث بندار عن محمد بن بشار ثم قال: صحيح الاسناد ولم يخرجاه وكذا روى أبو جعفر الرازي عن أبي العالية عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها " كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله " كان الناس أمة واحدة " قال: كانوا على الهدى جميعا " فاختلفوا فبعث الله النبيين " فكان أول من بعث نوحا. وهكذا قال مجاهد كما قال ابن عباس أولا. وقال العوفي عن ابن عباس " كان الناس أمة واحدة " يقول:
كانوا كفارا " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " والقول الأول عن ابن عباس أصح سندا ومعنى لان الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام فبعث الله إليهم نوحا عليه السلام فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض.
ولهذا قال تعالى " وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم " أي من بعد ما قامت الحجج عليهم وما حملهم على ذلك إلا البغي من بعضهم على بعض " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر عن سليمان الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في قوله " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه " الآية قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى " ثم رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة. وقال ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه في قوله " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه " فاختلفوا في يوم الجمعة فاتخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد فهدى الله أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ليوم الجمعة واختلفوا في القبلة فاستقبلت النصارى المشرق واليهود بيت المقدس فهدى الله أمة محمد للقبلة واختلفوا في الصلاة فمنهم من يركع ولا يسجد ومنهم من يسجد ولا يركع ومنهم من يصلي وهو يتكلم ومنهم