مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصة الحديبية فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه ذبح في تحلله ذلك شاة وإنما ذبحوا الإبل والبقر ففي الصحيحين عن جابر قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بقرة وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله " فما استيسر من الهدي " قال بقدر يسارته وقال العوفي عن ابن عباس: إن كان موسرا فمن الإبل وإلا فمن البقر وإلا فمن الغنم وقال هشام بن عروة عن أبيه " فما استيسر من الهدي " قال إنما ذلك فيما بين الرخص والغلاء والدليل على صحة قول الجمهور فيما ذهبوا إليه من إجزاء ذبح الشاة في الاحصار أن الله أوجب ذبح ما استيسر من الهدي أي مهما تيسر مما يسمى هديا والهدي من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم. كما قاله الحبر البحر ترجمان القرآن وابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ثبت في الصحيح عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: أهدى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة غنما.
وقوله " ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله " معطوف على قوله " وأتموا الحج والعمرة لله " وليس معطوفا على قوله " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " كما زعمه ابن جرير رحمه الله لان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم فأما في حال الامن والوصول إلى الحرم فلا يجوز الحلق " حتى يبلغ الهدي محله " ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة إن كان قارنا أو من فعل أحدهما إن كان مفردا أو متمتعا كما ثبت في الصحيحين عن حفصة أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر ".
وقوله " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ". قال البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني سمعت عبد الله بن معقل قال: قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد يعني مسجد الكوفة فسألته عن فدية من صيام فقال: حملت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر على وجهي فقال " ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ بك هذا أما تجد شاة " قلت: لا. قال: " صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك " فنزلت في خاصة وهي لكم عامة. وقال الإمام أحمد:
حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد تحت قدر والقمل يتناثر على وجهي أو قال حاجبي فقال " يؤذيك هوام رأسك؟ " قلت نعم. قال:
" فاحلقه وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك نسيكة " قال أيوب: لا أدري بأيتهن بدأ. وقال أحمد أيضا: حدثنا هشام حدثنا أبو بشر عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية ونحن محرمون وقد حصره المشركون وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تساقط على وجهي فمر علي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أيؤذيك هوام رأسك " فأمره أن يحلق قال ونزلت هذه الآية " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ". وكذا رواه عثمان عن شعبة عن أبي بشر وهو جعفر بن إياس به وعن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به وعن شعبة عن داود عن الشعبي عن كعب بن عجرة نحوه ورواه الامام مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة فذكر نحوه. وقال سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبان بن صالح عن الحسن البصري أنه سمع كعب بن عجرة يقول: فذبحت شاة ورواه ابن مردويه وروي أيضا من حديث عمر بن قيس وهو ضعيف عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " النسك شاة والصيام ثلاثة أيام والطعام فرق بين ستة " وكذا روي عن علي ومحمد بن كعب وعلقمة وإبراهيم ومجاهد وعطاء والسدي والربيع بن أنس. وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالك بن أنس حدثه عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآذاه القمل في رأسه فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحلق رأسه وقال " صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل إنسان أو انسك شاة أي ذلك فعلت أجزأ عنك " وهكذا روى ابن أبي