البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ولم يحل إلا ساعة من نهار وإنها ساعتي هذه حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم " يعني بذلك صلوات الله وسلامه عليه قتاله أهله يوم فتح مكة فإنه فتحها عنوة وقتلت رجال منهم عند الخندمة وقيل صلحا لقوله " من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن " وقوله " حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين " يقول تعالى ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدأوكم بالقتال فيه فلكم حينئذ قتالهم وقتلهم دفعا للصائل كما بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم الحديبية تحت الشجرة على القتال لما تألبت عليه بطون قريش ومن والاهم من أحياء ثقيف والأحابيش عامئذ ثم كف الله القتال بينهم فقال " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم " وقال " ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما " وقوله " فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم " أي فإن تركوا القتال في الحرم وأنابوا إلى الاسلام والتوبة فإن الله يغفر ذنوبهم ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم الله فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب منه إليه ثم أمر الله تعالى بقتال الكفار " حتى لا تكون فتنة " أي شرك قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم " ويكون الدين لله " أي يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان كما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " وفي الصحيحين " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ".
وقوله " فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " يقول تعالى فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان إلا على الظالمين وهذا معنى قول مجاهد أن لا يقاتل إلا من قاتل أو يكون تقديره فإن انتهوا فقد تخلصوا من الظلم وهو الشرك فلا عدوان عليهم بعد ذلك والمراد بالعدوان ههنا المعاقبة والمقاتلة كقوله " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " وقوله " وجزاء سيئة سيئة مثلها * وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " ولهذا قال عكرمة وقتادة الظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله. وقال البخاري قوله:
" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " الآية. حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس ضيعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فما يمنعك أن تخرج؟
فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي قالا: ألم يقل الله " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة "؟ فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حثى تكون فتنة وحتى يكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب أخبرني فلان وحياة بن شريح عن بكر بن عمر المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتقيم عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه؟ فقال يا ابن أخي بني الاسلام على خمس: الايمان بالله ورسوله والصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت. قالوا يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله " " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " قال فعلنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان الاسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه أو عذبوه حتى كثر الاسلام فلم تكن فتنة قال فما قولك في علي وعثمان؟ قال أما عثمان فكان الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن يعفو عنه وأما علي فابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وختنه فأشار بيده فقال هذا بيته حيث ترون.
الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا