من الخيط الأسود " عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض قال فجعلتهما تحت وسادتي قال فجعلت أنظر إليهما فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت فقال " إن وسادك إذا لعريض إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل " أخرجاه في الصحيحين من غير وجه عن عدي.
ومعنى قوله إن وسادك إذا لعريض أي إن كان ليسع الخيطين الخيط الأسود والأبيض المرادين من هذه الآية تحتها فإنهما بياض النهار وسواد الليل فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب. وهكذا وقع في رواية البخاري مفسرا بهذا حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن حصين عن الشعبي عن عدي قال: أخذ عدي عقالا أبيض وعقالا أسود حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا فلما أصبح قال يا رسول الله جعلت تحت وسادتي قال " إن وسادك إذا لعريض إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك " وجاء في بعض الألفاظ " إنك لعريض القفا " ففسره بعضهم بالبلادة وهو ضعيف بل يرجع إلى هذا لأنه إذا كان وساده عريضا فقفاه أيضا عريض والله أعلم. ويفسره رواية البخاري أيضا حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن مطرف عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال: قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان؟ قال " إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ثم قال لا بل هو سواد الليل وبياض النهار ".
وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر دليل على استحباب السحور لأنه من باب الرخصة والاخذ بها محبوب ولهذا وردت السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحث على السحور ففي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تسحروا فإن في السحور بركة " وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور " وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى هو ابن الطباع حدثنا عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " السحور أكلة بركة فلا تدعوه ولو أن أحدكم تجرع جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ". وقد ورد في الترغيب في السحور أحاديث كثيرة حتى ولو بجرعة من ماء تشبها بالآكلين ويستحب تأخيره إلى وقت انفجار الفجر كما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قال أنس قلت لزيد كم كان بين الاذان والسحور؟ قال قدر خمسين آية. وقال الإمام أحمد حدثنا موسى بن داود حدثنا ابن لهيعة عن سالم بن غيلان عن سليمان بن أبي عثمان عن عدي بن حاتم الحمصي عن أبي ذر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الافطار وأخروا السحور " وقد ورد أحاديث كثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه الغداء المبارك وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زيد بن حبيش عن حذيفة قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النهار إلا أن الشمس لم تطلع وهو حديث تفرد به عاصم بن أبي النجود قاله النسائي وحمله على أن المراد قرب النهار كما قال تعالى " فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف " أي قاربن انقضاء العدة فإما إمساك بمعروف أو ترك للفراق وهذا الذي قاله هو المتعين حمل الحديث عليه أنهم تسحروا ولم يتيقنوا طلوع الفجر حتى أن بعضهم ظن طلوعه وبعضهم لم يتحقق ذلك وقد روي عن طائفة كثيرة من السلف أنهم تسامحوا في السحور عند مقاربة الفجر روي مثل هذا عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وحذيفة وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وعن طائفة كثيرة من التابعين منهم محمد بن علي بن الحسين وابن مجلز وإبراهيم النخعي وأبو الضحى وأبو وائل وغيره من أصحاب ابن مسعود وعطاء والحسن والحاكم بن عيينة ومجاهد وعروة بن الزبير وأبو الشعثاء جابر بن زيد وإليه ذهب الأعمش وجابر بن راشد وقد حررنا أسانيد ذلك في كتاب الصيام المفرد ولله الحمد وحكى أبو جعفر بن جرير في تفسيره عن بعضهم أنه إنما يجب الامساك من طلوع الشمس كما يجوز الافطار بغروبها " قلت " وهذا القول ما أظن أحدا من أهل العلم يستقر له قدم عليه لمخالفته نص القرآن في قوله " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من