صحيح مسلم عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يحل لاحد أن يحمل بمكة السلاح " وقال في هذه السورة " رب اجعل هذا البلد آمنا " أي اجعل هذه البقعة بلدا آمنا وناسب هذا لأنه قبل بناء الكعبة. وقال تعالى في سورة إبراهيم " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا " وناسب هذا هناك لأنه والله أعلم كأنه وقع دعاء مرة ثانية بعد بناء البيت واستقرار أهله به وبعد مولد إسحق الذي هو أصغر سنا من إسماعيل بثلاث عشرة سنة ولهذا قال في آخر الدعاء " الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق إن ربي لسميع الدعاء ".
وقوله تعالى " وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب " قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " قال هو قول الله تعالى وهذا قول مجاهد وعكرمة وهو الذي صوبه ابن جرير رحمه الله. قال وقرأ آخرون " قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " فجعلوا ذلك من تمام دعاء إبراهيم كما رواه أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية قال: كان ابن عباس يقول ذلك قول إبراهيم يسأل ربه أن من كفر فأمتعه قليلا وقال أبو جعفر عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد " ومن كفر فأمتعه قليلا " يقول ومن كفر فأرزقه رزقا قليلا أيضا " ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " قال محمد بن إسحاق لما عن لإبراهيم الدعوة على من أبى الله أن يجعل له الولاية انقطاعا إلى الله ومحبته وفراقا لمن خالف أمره وإن كانوا من ذريته حين عرف أنه كائن منهم ظالم لا يناله عهده بخبر الله له بذلك. قال الله تعالى ومن كفر فإني أرزق البر والفاجر وأمتعه قليلا وقال حاتم بن إسماعيل عن حميد الخراط عن عمار الذهبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى " رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر " قال ابن عباس كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون الناس فأنزل الله ومن كفر أيضا أرزقهم كما أرزق المؤمنين أأخلق خلقا لا أرزقهم؟ أمتعهم قليلا ثم أضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير ثم قرأ ابن عباس " كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا " رواه ابن مردويه وروى عن عكرمة ومجاهد نحو ذلك أيضا وهذا كقوله تعالى " قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون " وقوله تعالى " ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور * نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ " وقوله " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون * وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين " وقوله " ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير " أي ثم ألجأه بعد متاعه في الدنيا وبسطنا عليه من ظلها إلى عذاب النار وبئس المصير ومعناه أن الله تعالى ينظرهم ويمهلهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر كقوله تعالى " وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير " وفي الصحيحين " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " وفي الصحيح أيضا " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ قوله تعالى " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " وقرأ بعضهم " قال ومن كفر فأمتعه قليلا " الآية جعله من تمام دعاء إبراهيم وهي قراءة شاذة مخالفة للقراء السبعة وتركيب السياق يأبى معناها والله أعلم فإن الضمير في قال راجع إلى الله تعالى في قراءة الجمهور والسياق يقتضيه وعلى هذه القراءة الشاذة يكون الضمير في قال عائدا على إبراهيم وهذا خلاف نظم الكلام والله سبحانه هو العلام.
وأما قوله تعالى " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم " فالقواعد جمع قاعدة هي السارية والأساس يقول تعالى: واذكر يا محمد لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت