وقال أبو جعفر بن جرير في قوله تعالى " إن الله بما تعملون بصير " هذا الخبر من الله للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين أنهم مهما فعلوا من خير أو شر سرا وعلانية فهو به بصير لا يخفى عليه منه شئ فيجزيهم بالاحسان خيرا وبالإساءة مثلها وهذا الكلام وإن كان قد خرج مخرج الخبر فإنه وعدا ووعيدا وأمرا وزجرا وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدوا في طاعته إذ كان ذلك مذخورا لهم عنده حتى يثيبهم عليه كما قال تعالى " وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله " وليحذروا معصيته قال وأما قوله " بصير " فإنه مبصر صرف إلى بصير كما صرف مبدع إلى بديع ومؤلم إلى أليم والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو زرعة أخبرنا ابن بكير حدثني أبي لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية " سميع بصير " يقول " بكل شي بصير ".
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111) بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (112) وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (113) يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها كما أخبر الله عنهم في سورة المائدة أنهم قالوا " نحن أبناء الله وأحباؤه " فأكذبهم الله تعالى بما أخبرهم أنه معذبهم بذنوبهم ولو كانوا كما ادعوا لما كان الامر كذلك وكما تقدم من دعواهم أنه لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ثم ينتقلون إلى الجنة ورد عليهم تعالى في ذلك وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بينه فقال " تلك أمانيهم " وقال أبو العالية أماني تمنوها على الله بغير حق وكذا قال قتادة والربيع بن أنس ثم قال تعالى " قل " أي يا محمد " هاتوا برهانكم " قال أبو العالية ومجاهد والسدي والربيع بن أنس حجتكم وقال قتادة بينتكم على ذلك " إن كنتم صادقين " أي فيما تدعونه قال تعالى " بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن " أي من أخلص العمل لله وحده لا شريك له كما قال تعالى " فإن حاجوك فقلت أسلمت وجهي لله ومن اتبعن " الآية، وقال أبو العالية والربيع " بلى من أسلم وجهه لله " يقول من أخلص لله. وقال سعيد بن جبير " بلى من أسلم " أخلص " وجهه " قال دينه " وهو محسن " أي اتبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فإن للعمل المتقبل شرطين:
أحدهما أن يكون خالصا لله وحده والآخر أن يكون صوابا موافقا للشريعة فمتى كان خالصا ولم يكن صوابا لم يتقبل ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم من حديث عائشة عنه عليه الصلاة والسلام فعمل الرهبان ومن شابههم وإن فرض أنهم مخلصون فيه لله فإنه لا يتقبل منهم حتى يكون ذلك متابعا للرسول صلى الله عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافة وفيهم وأمثالهم قال الله تعالى " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " وقال تعالى " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا " وقال تعالى " وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية " وروي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه تأولها في الرهبان كما سيأتي وأما إن كان العمل موافقا للشريعة في الصورة الظاهرة ولكن لم يخلص عامله القصد لله فهو أيضا مردود على فاعله وهذا حال المرائين والمنافقين كما قال تعالى " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " وقال تعالى " فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤن ويمنعون الماعون " ولهذا قال تعالى " فمن كان