والقرطبي وغيرهما من الأئمة ولا حاجة إلى هذا فإن الله تعالى يخلق فيها هذه الصفة كما في قوله تعالى " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " وقال " تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن " الآية وقال " والنجم والشجر يسجدان " " أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيأ ظلاله " الآية " قالتا أتينا طائعين " " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل " الآية " وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله " الآية وفي الصحيح " هذا جبل يحبنا ونحبه " وكحنين الجذع المتواتر خبره وفي صحيح مسلم " إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن " وفى صفة الحجر الأسود إنه يشهد لمن استلم بحق يوم القيامة وغير ذلك مما في معناه وحكى القرطبي قولا إنها للتخيير أي مثلا لهذا وهذا وهذا مثل: جالس الحسن أو ابن سيرين. وكذا حكاه الرازي في تفسيره وزاد قولا آخر أنها للابهام بالنسبة إلى المخاطب كقول القائل أكلت خبزا أو تمرا، وهو يعلم أيهما أكل وقال آخر إنها بمعنى قول القائل كل حلوا أو حامضا، أي لا يخرج عن واحد منهما. أي وقلوبكم صارت كالحجارة أو أشد قسوة منها لا تخرج عن واحد من هذين الشيئين والله أعلم.
" تنبيه " اختلف علماء العربية في معنى قوله تعالى " فهي كالحجارة أو أشد قسوة " بعد الاجماع على استحالة كونها للشك فقال بعضهم أو ههنا بمعنى الواو تقديره: فهي كالحجارة وأشد قسوة كقوله تعالى " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " " عذرا أو نذرا " وكما قال النابغة الذبياني:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا * إلى حمامتنا أو نصفه فقد تريد ونصفه قاله ابن جرير: وقال جرير بن عطية:
نال الخلافة أو كانت له قدرا * كما أتى ربه موسى على قدر قال ابن جرير يعني نال الخلافة وكانت له قدرا وقال آخرون أو ههنا بمعنى بل فتقديره: فهي كالحجارة بل أشد قسوة وكقوله " إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية " " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " فكان قاب قوسين أو أدنى، وقال آخرون معنى ذلك " فهي كالحجارة أو أشد قسوة " عندكم حكاه ابن جرير: وقال آخرون المراد بذلك الابهام على المخاطب كما قال أبو الأسود:
أحب محمدا حبا شديدا * وعباسا وحمزة والوصيا فإن يك حبهم رشدا أصبه * وليس بمخطئ إن كان غيا قال ابن جرير قالوا ولا شك أن أبا الأسود لم يكن شاكا في أن حب من سمى رشد ولكنه أبهم على من خاطبه قال وقد ذكر عن أبي الأسود أنه لما قال هذه الأبيات قيل له شككت فقال كلا والله ثم انتزع يقول الله تعالى " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " فقال أو كان شاكا من أخبر بهذا من الهادي منهم ومن الضال؟ وقال بعضهم معنى ذلك فقلوبكم لا تخرج عن أحد هذين المثلين إما أن تكون مثل الحجارة في القسوة وإما أن تكون أشد منها في القسوة. قال: ابن جرير ومعنى ذلك على هذا التأويل فبعضها كالحجارة قسوة وبعضها أشد قسوة من الحجارة وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره " قلت " وهذا القول الأخير يبقي شبيها بقوله تعالى " مثلهم كمثل الذي استوقد نارا " مع قوله " أو كصيب من السماء " وكقوله " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة " مع قوله " أو كظلمات في بحر لجي " الآية أي إن منهم من هو هكذا ومنهم من هو كهذا والله أعلم: وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن أيوب حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي الثلج حدثنا علي بن حفص حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حاطب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تكثروا الكلام بغير ذكر