فقال: وما أنا من المتكلفين، والمفسرون ذكروا فيه وجوها، والذي يغلب على الظن أن المراد أن هذا الذي أدعوكم إليه دين ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التكلفات الكثيرة، بل هو دين يشهد صريح العقل بصحته، فإني أدعوكم إلى الإقرار بوجود الله أولا: ثم أدعوكم ثانيا: إلى تنزيهه وتقديسه عن كل ما لا يليق به، يقوي ذلك قوله: * (ليس كمثله شيء) * وأمثاله، ثم أدعوكم ثالثا: إلى الإقرار بكونه موصوفا بكمال العلم والقدرة والحكمة والرحمة، ثم أدعوكم رابعا: إلى الإقرار بكونه منزها عن الشركاء والأضداد، ثم أدعوكم خامسا: إلى الإمتناع عن عبادة هذه الأوثان، التي هي جمادات خسيسة ولا منفعة في عبادتها ولا مضرة في الإعراض عنها، ثم أدعوكم سابعا: إلى الإقرار بالبعث والقيامة: * (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) * (النجم: 31) ثم أدعوكم ثامنا: إلى الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، فهذه الأصول الثمانية، هي الأصول القوية المعتبرة في دين الله تعالى، ودين محمد صلى الله عليه وسلم وبداهة العقول، وأوائل الأفكار شاهدة بصحة هذه الأصول الثمانية، فثبت أني لست من المتكلفين في الشريعة التي أدعو الخلق إليها. بل كان عقل سليم وطبع مستقيم، فإنه يشهد بصحتها وجلالتها، وبعدها عن الباطل والفساد وهو المراد من قوله: * (إن هو إلا ذكر للعالمين) * ولما بين هذه المقدمات قال: * (ولتعلمن نبأه بعد حين) * والمعنى أنكم إن أصررتم على الجهل والتقليد، وأبيتم قبول هذه البيانات التي ذكرناها، فستعلمون بعد حين أنكم كمنتم مصيبين في هذا الإعراض أو مخطئين، وذكر مثل هذه الكلمة بعد تلك البيانات المتقدمة مما لا مزيد عليه في التخويف والترهيب، والله أعلم.
(٢٣٦)