عبارة عن عدم الانقياد فإن المنقاد يقال فيه إنه وضع رأسه على الخط وخضع عنقه والذي في رقبته الغل الثخين إلى الذقن لا يطأطئ رأسه ولا يحركه تحريك المصدق، ويصدق هذا قوله: * (مقمحون) * فإن المقمح هو الرافع رأسه كالمتأبي يقال بعير قامح إذا رفع رأسه فلم يشرب الماء ولم يطأطئه للشرب والإيمان كالماء الزلال الذي به الحياة وكأنه تعالى قال: * (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهم مقمحون) * لا يخضعون الرقاب لأمر الله.
* (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) *.
وعلى هذا فقوله تعالى: * (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) *.
يكون متمما لمعنى جعل الله إياهم مغلولين لأن قوله: * (وجعلنا من بين أيديهم سدا) * إشارة إلى أنهم لا ينتهجون سبيل الرشاد فكأنه قال لا يبصرون الحق فينقادون له لمكان السد ولا ينقادون لك فيبصرون الحق فينقادون له لمكان الغل والإيمان المورث للإيقان. إما باتباع الرسول أولا فتلوح له الحقائق ثانيا وإما بظهور الأمور أولا واتباع الرسول ثانيا، ولا يتبعون الرسول أولا لأنهم مغلولون فلا يظهر لهم الحق من الرسول ثانيا، ولا يظهر لهم الحق أولا لأنهم واقعون في السد فلا يتبعون الرسول ثانيا وفيه وجه آخر: وهو أن يقال المانع، إما أن يكون في النفس، وإما أن يكون خارجا عنها، ولهم المانعان جميعا من الإيمان، أما في النفس فالغل، وأما من الخارج فالسد، ولا يقع نظرهم على أنفسهم فيرون الآيات التي في أنفسهم كما قال تعالى: * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) * وذلك لأن المقمح لا يرى نفسه ولا يقع بصره على يديه، ولا يقع نظرهم على الآفاق لأن من بين السدين لا يبصرون الآفاق فلا تبين لهم الآيات التي في الآفاق وعلى هذا فقوله: * (إنا جعلنا في أعناقهم) * * (وجعلنا من بين أيديهم) * إشارة إلى عدم هدايتهم لآيات الله في الأنفس والآفاق، وفي تفسير قوله تعالى: * (وجعلنا من بين أيديهم سدا) * مسائل: المسألة الأولى: السد من بين الأيدي ذكره ظاهر الفائدة فإنهم في الدنيا سالكون وينبغي أن يسلكوا الطريقة المستقيمة * (ومن بين أيديهم سدا) * فلا يقدرون على السلوك، وأما السد من خلفهم، فما الفائدة فيه؟ فنقول الجواب عنه من وجوه الأول: هو أن الإنسان له هداية فطرية والكافر قد يتركها وهداية نظرية والكافر ما أدركها فكأنه تعالى يقول: * (جعلنا من بين أيديهم سدا) * فلا يرجعون إلى الهداية الجبلية التي هي الفطرية الثاني: هو أن الإنسان مبدأه من الله ومصيره إليه فعمى الكافر لا يبصر ما بين يديه من