والكل آتيناها محمدا، فهو رسول مثل الرسل يلزمهم قبوله كما لزم قبول موسى وعيسى عليهم السلام أجمعين، وهذا يكون تقريرا مع أهل الكتاب، واعلم أنه تعالى ذكر أمورا ثلاثة أولها البينات، وذلك لأن كل رسول فلا بد له من معجزة وهي أدنى الدرجات، ثم قد ينزل عليه كتاب يكون فيه مواعظ وتنبيهات وإن لم يكن فيه نسخ وأحكام مشروعة شرعا ناسخا، ومن ينزل عليه مثله أعلى مرتبة ممن لا ينزل عليه ذلك وقد تنسخ شريعته الشرائع وينزل عليه كتاب فيه أحكام على وفق الحكمة الإلهية، ومن يكون كذلك فهو من أولي العزم فقال الرسل تبين رسالتهم بالبينات وإن كانوا أعلى مرتبة فبالزبر، وإن كانوا أعلى فبالكتاب والنبي آتيناه الكل فهو رسول أشرف من الكل لكون كتابه أتم وأكمل من كل كتاب.
* (ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير) *.
ثم قال تعالى: * (ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير) *.
أي من كذب بالكتاب المنزل من قبل وبالرسول المرسل أخذه الله تعالى فكذلك من يكذب بالنبي عليه السلام، وقوله: * (فكيف كان نكير) * سؤال للتقرير فإنهم علموا شدة إنكار الله عليهم وإتيانه بالأمر المنكر من الاستئصال.
* (ألم تر أن الله أنزل من السمآء مآء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) *.
ثم قال تعالى: * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها) *.
وهذا استدلال بدليل آخر على وحدانية الله وقدرته وفي تفسيرها مسائل:
المسألة الأولى: ذكر هذا الدليل على طريقة الاستخبار، وقال: * (ألم تر) * وذكر الدليل المتقدم على طريقة الأخبار وقال: * (والله الذي أرسل الرياح) * وفيه وجهان الأول: أن انزال الماء أقرب إلى النفع والمنفعة فيه أظهر فإنه لا يخفى على أحد في الرؤية أن الماء منه حياة الأرض فعظم دلالته بالاستفهام لأن الاستفهام الذي للتقرير لا يقال إلا في الشيء الظاهر جدا كما أن من أبصر الهلال وهو خفي جدا، فقال له غيره أين هو، فإنه يقول له في الموضع الفلاني، فإن لم يره، يقول له الحق معك إنه خفي وأنت معذور، وإذا كان بارزا يقول له أما تراه هذا هو ظاهرا والثاني: وهو أنه ذكره بعدما قرر المسألة بدليل آخر وظهر بما تقدم للمدعو بصارة بوجوه الدلالات، فقال له أنت صرت بصيرا بما ذكرناه ولم يبق لك عذر، ألا ترى هذه الآية.
المسألة الثانية: المخاطب من هو يحتمل وجهين أحدهما: النبي صلى الله عليه وسلم وفيه حكمة وهي أن الله تعالى لما ذكر الدلائل ولم تنفعهم قطع الكلام معهم والتفت إلى غيرهم، كما أن السيد إذا نصح بعض العبيد ومنعهم من الفساد ولا ينفعهم الإرشاد، يقول لغيره اسمع ولا تكن مثل هذا