تلك الإجابة كانت من النعم العظيمة، وبيانه من وجوه الأول: أنه تعالى عبر عن ذاته بصيغة الجمع فقال: * (ولقد نادانا نوح) * والقادر العظيم لا يليق به إلا الإحسان العظيم والثاني: أنه أعاد صيغة الجمع في قوله: * (فلنعم المجيبون) * وذلك أيضا يدل على تعظيم تلك النعمة. لا سيما وقد وصف تلك الإجابة بأنها نعمت الإجابة والثالث: أن الفاء في قوله: * (لنعم المجيبون) * يدل على أن حصول هذه الإجابة مرتب على ذلك النداء، والحكم المرتب على الوصف المناسب يقتضي كونه معللا به، وهذا يدل على أن النداء بالإخلاص سبب لحصول الإجابة، ثم إنه تعالى لما بين أنه سبحانه نعم المجيب على سبيل الإجمال، بين أن الإنعام حصل في تلك الإجابة من وجوه الأول: قوله تعالى: * (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) * وهو على القول الأول الكرب الحاصل بسبب الخوف من الغرق، وعلى الثاني الكرب الحاصل من أذى قومه والثاني: قوله: * (وجعلنا ذريته هم الباقين) * يفيد الحصر وذلك يدل على أن كل من سواه وسوى ذريته فقد فنوا، قال ابن عباس: ذريته بنوه الثلاثة: سام وحام ويافث، فسام أبو العرب وفارس والروم، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك.
النعمة الثالثة: قوله تعالى: * (وتركنا عليه في الآخرين * سلام على نوح في العالمين) * يعني يذكرون هذه الكلمة، فإن قيل فما معنى قوله: * (في العالمين) * قلنا معناه الدعاء بثبوت هذه التحية فيهم جميعا أي لا يخلو أحد منهم منها، كأنه قيل أثبت الله التسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين فيسلمون عليه بكليتهم، ثم إنه تعالى لما شرح تفاصيل إنعامه عليه قال: * (إنا كذلك نجزي المحسنين) * والمعنى أنا إنما خصصنا نوحا عليه السلام بتلك التشريفات الرفيعة من جعل الدنيا مملوءة من ذريته ومن تبقية ذكره الحسن في ألسنة جميع العالمين لأجل أنه كان محسنا، ثم علل كونه محسنا بأنه كان عبدا لله مؤمنا، والمقصود منه بيان أن أعظم الدرجات وأشرف المقامات الإيمان بالله والانقياد لطاعته.
* (وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جآء ربه بقلب سليم * إذ قال لابيه وقومه ماذا تعبدون * أءفكا ءالهة دون الله تريدون * فما ظنكم برب العالمين * فنظر نظرة فى النجوم * فقال إنى سقيم * فتولوا