الأربعة في قوة الفعل هو النار وأكملها في قوة الانفعال هو الأرض والفعل فضل من الانفعال فالنار أفضل من الأرض. أما القائلون بتفضيل الأرض على النار فذكروا أيضا وجوها الأول: أن الأرض أمين مصلح فإذا أودعتها حبة ردتها إليك شجرة مثمرة والنار خائنة تفسد كل ما أسلمته إليها الثاني: أن الحس البصري أثنى على النار فليستمع ما يقوله الحس اللمسي الثالث: أن الأرض مستولية على النار فإنها تطفئ النار، وأما النار فإنها لا تؤثر في الأرض الخالصة.
وأما المقدمة الثالثة: فهي أن من كان أصله خيرا من أصله فهو خير منه، فاعلم أن هذه المقدمة كاذبة جدا وذلك لأن أصل الرماد النار وأصل البساتين النزهة والأشجار المثمرة وهو الطين ومعلوم بالضرورة أن الأشجار المثمرة خير من الرماد، وأيضا فهب أن اعتبار هذه الجهة يوجب الفضيلة إلا أن هذا يمكن أن يصير معارضا بجهة أخرى توجب الرجحان مثل إنسان نسيب عار عن كل الفضائل فإن نسبه يوجب رجحانه، إلا أن الذي لا يكون نسبيا قد يكون كثير العلم والزهد فيكون هو أفضل من ذلك النسيب بدرجات لا حد لها، فالمقدمة الكاذبة في القياس الذي ذكره إبليس هو هذه المقدمة، فإن قال قائل هب أن إبليس أخطأ في هذا القياس لكن كيف لزمه الكفر من تلك المخالفة؟ وبيان هذا السؤال من وجوه الأول: أن قوله: * (اسجدوا) * أمر والأمر لا يقتضي الوجوب بل الندب ومخالفة الندب لا توجب العصيان فضلا عن الكفر، وأيضا فالذين يقولون: إن الأمر للوجوب فهم لا ينكرون كونه محتملا للندب احتمالا ظاهرا ومع قيام هذا الاحتمال الظاهر كيف يلزم العصيان فضلا عن الكفر الثاني: هب أنه للوجوب إلا أن إبليس ما كان من الملائكة فأمر الملائكة بسجود آدم لا يدخل فيه إبليس الثالث: خب أنه يتناوله إلا أن تخصيص العام بالقياس جائز فخصص نفسه عن عموم ذلك الأمر بالقياس الرابع: هب أنه لم يسجد مع علمه بأنه كان مأمورا به إلا أن هذا القدر يوجب العصيان ولا يوجب الكفر فكيف لزمه الكفر الجواب: هب أن صيفة الأمر لا تدل على الوجوب ولكن يجوز أن ينضم إليها من القرائن ما يدل على الوجوب، وههنا حصلت تلك القرائن وهي قوله تعالى: * (استكبرت أم كنت من العالين) * فلما أتى إبليس بقياسه الفاسد دل ذلك على أنه إنما ذكر ذلك القياس ليتوسل به إلى القدح في أمر الله وتكليفه وذلك يوجب الكفر. إذا عرفت هذا فنقول إن إبليس لما ذكر هذا القياس الفاسد قال تعالى: * (أخرج منها فإنك رجيم) *.
واعلم أنه ثبت في أصول الفقه أن ذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على كون ذلك الحكم معللا بذلك الوصف وههنا الحكم بكونه رجيما ورد عقيب ما حكي عنه أنه خصص النص بالقياس، فهذا يدل على أن تخصيص النص بالقياس يوجب هذا الحكم، وقوله: * (منها) * أي: من الجنة أو من السماوات والرجيم المرجوم وفيه قولان: