فسر الإسلام في خبر جبريل عليه السلام بالأعمال الظاهرة، وهو المراد بقوله في هذه الآية: * (وأمرت لأن أكون أول المسلمين) * وليس لقائل أن يقول ما الفائدة في تكرير لفظ * (أمرت) * لأنا نقول ذكر لفظ * (أمرت) * أولا في عمل القلب وثانيا في عمل الجوارح ولا يكون هذا تكريرا.
الفائدة الثالثة: في قوله: * (وأمرت لأن أكون أول المسلمين) * التنبيه على كونه رسولا من عند الله واجب الطاعة، لأن أول المسلمين في شرائع الله لا يمكن أن يكون إلا رسول الله، لأن أول من يعرف تلك الشرائع والتكاليف هو الرسول المبلغ، ولما بين الله تعالى أمره بالإخلاص بالقلب وبالأعمال المخصوصة، وكان الأمر يحتمل الوجوب ويحتمل الندب بين أن ذلك الأمر للوجوب فقال: * (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) * وفيه فوائد:
الفائدة الأولى: أن الله أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن يجري هذا الكلام على نفسه، والمقصود منه المبالغة في زجر الغير عن المعاصي، لأنه مع جلالة قدرة وشرف نبوته إذا وجب أن يكون خائفا حذرا عن المعاصي فغيره بذلك أولى.
الفائدة الثانية: دلت الآية على أن المرتب على المعصية ليس حصول العقاب بل الخوف من العقاب، وهذا يطابق قولنا: إن الله تعالى قد يعفو عن المذنب والكبيرة، فيكون اللازم عند حصول المعصية هو الخوف من العقاب لا نفس حصول العقاب.
الفائدة الثالثة: دلت هذه الآية على أن ظاهر الأمر للوجوب، وذلك لأنه قال في أول الآية: * (إني أمرت أن أعبد الله) * ثم قال بعده: * (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) * فيكون معنى هذا العصيان ترك الأمر الذي تقدم ذكره، وذلك يقتضي أن يكون تارك الأمر عاصيا، والعاصي يترتب عليه الخوف من العقاب، ولا معنى للوجوب إلا ذلك.
النوع الثالث: من الأشياء التي أمر الله رسوله أن يذكرها قوله: * (قل الله أعبد مخلصا له ديني) * فإن قيل ما معنى التكرير في قوله: * (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين) * وقوله: * (قل الله أعبد مخلصا له ديني) *؟، قلنا هذا ليس بتكرير لأن الأول إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالإتيان بالعبادة، والثاني إخبار بأنه أمر بأن لا يعبد أحدا غيره، وذلك لأن قوله: * (أمرت أن أعبد الله) * لا يفيد الحصر وقوله تعالى: * (قل الله أعبد) * يفيد الحصر يعني الله أعبد ولا أعبد أحدا سواه، والدليل عليه أنه لما قال بعد: * (قل الله أعبد) * قال بعده: * (فاعبدوا ما شئتم من دونه) * ولا شبهة في أن قوله: * (فاعبدوا ما شئتم من دونه) * ليس أمرا بل المراد منه الزجر، كأنه يقول لما بلغ البيان في وجوب رعاية التوحيد إلى الغاية القصوى فبعد ذلك أنتم أعرف بأنفسكم، ثم بين تعالى كمال الزجر بقوله: * (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم) * لوقوعها في هلاك لا يعقل هلاك أعظم منه، وخسروا أهليهم أيضا لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة، فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده البتة، وقال ابن عباس: إن لكل رجل