يفصل فيه الجزاء الحقيقي عن الجزاء الظاهري وتميز فيه الطاعات الحقيقية عن الطاعات المقرونة بالرياء والسمعة فبهذا الطريق صار هذا الكلام من الملائكة جوابا لما ذكره الكفار. ثم قال تعالى:
* (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون * من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم * وقفوهم إنهم مسئولون * ما لكم لا تناصرون * بل هم اليوم مستسلمون) * وفي الآية أبحاث:
البحث الأول: اعلم أنه لا نزاع في أن هذا من كلام الملائكة فإن قيل ما معنى: * (احشروا) * مع أنهم قد حشروا من قبل وحضروا في محفل القيامة وقالوا: * (هذا يوم الدين) * (الصافات: 20) وقالت الملائكة لهم بل: * (هذا يوم الفصل) * (الصافات: 21) أجاب القاضي عنه، فقال المراد احشروهم إلى دار الجزاء وهي النار، ولذلك قال بعده: * (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) * أي خذوهم إلى ذلك الطريق ودلوهم عليه ثم سأل نفسه فقال: كيف يصح ذلك وقد قال بعده * ( وقفوهم إنهم مسؤولون) * ومعلوم أن حشرهم إلى الجحيم، إنما يكون بعد المسألة، وأجاب أنه ليس في العطف بحرف الواو ترتيب فلا يمتنع أن يقال احشروهم وقفوهم، مع أنا بعقولنا نعلم أن الوقوف كان قبل الحشر إلى النار، هذا ما قاله القاضي، وعندي فيه وجه آخر وهو أن يقال إنهم إذا قاموا من قبورهم لم يبعد أن يقفوا هناك بحيرة تلحقهم بسبب معاينة أهوال القيامة، ثم إن الله تعالى يقول للملائكة: احشروا الذين ظلموا واهدوهم إلى صراط الجحيم، أي سوقوهم إلى طريق جهنم وقفوهم هناك وتحصل المسألة هناك ثم من هناك يساقون إلى النار وعلى هذا التقدير فظاهر النظم موافق لما عليه الوجه.
البحث الثاني: الآمر في قوله تعالى: * (احشروا الذين ظلموا) * هو الله فهو تعالى أمر الملائكة أن يحشروا الكفار إلى موقف السؤال والمراد من الحشر أن الملائكة يسوقونهم إلى ذلك الموقف.
البحث الثالث: أن الله أمر الملائكة بحشر ثلاثة أشياء: الظالمين، وأزواجهم، والأشياء التي كانوا يعبدونها. وفيه فوائد:
الفائدة الأولى: أنه تعالى قال: * (احشروا الذين ظلموا) * ثم ذكر من صفات الذين ظلموا كونهم عابدين لغير الله وهذا يدل على أن الظالم المطلق هو الكافر وذلك يدل على أن كل وعيد ورد في حق الظالم فهو مصروف إلى الكفار ومما يؤكد هذا قوله تعالى: * (والكافرون هم الظالمون) * (البقرة: 254).
الفائدة الثانية: اختلفوا في المراد بأزواجهم وفيه ثلاثة أقوال الأول: المراد بأزواجهم أشباههم أي أحزابهم ونظراؤهم من الكفر فاليهودي مع اليهودي والنصراني مع النصراني والذي يدل على جواز أن يكون المراد من الأزواج الأشباه وجوه الأول: قوله تعالى: * (وكنتم